المرة الأولى التي قرأت فيها للروائي البرتغالي خوسيه ساراماغو، كانت عندما وصلت إلى بيتنا جريدة البيان صباحاً، مغلفة بالسيلوفان ومرفقة بنسخة من روايته (كل الأسماء) التي ما زلت أحتفظ بها، يومها كان هناك مشروع جميل يقوم على توزيع بعض الكتب مع الصحيفة بالتعاون بين الصحيفة ومؤسسات أخرى، وهو واحد من أعظم المشروعات التي خدمت انتشار الكتاب وتوفيره للقراء، (كل الأسماء) كانت من بين هذه الكتب.

أتذكر أن ساراماغو اختار اسم جوزيه (أو خوسيه) للبطل في الرواية، واكتفى بهذا الاسم فقط، بحيث لم يظهر أي اسم آخر، فكل الشخصيات لا اسم لها، وإنما تُحدد بصفات تدل عليها مثل: مدير المحفوظات العامة، السيدة التي تسكن الشقة اليمنى في الطابق فوق الأرضي... وهكذا، ويبدو أن السبب وراء ذلك هو أن الأسماء لا معنى لها بقدر الشخصيات نفسها. سميت الرواية بـ(كل الأسماء)؛ لأن هذا الاسم هو الذي ينطبق فعلاً على إدارة المحفوظات العامة، فهي ليست مثل المقبرة تحتوي على أسماء الأموات فقط، بل هي تحتوي على «كل الأسماء» الأحياء والأموات معاً، ولقد طرح الكاتب فكرة الاسم بطريقة فلسفية غاية في العمق.

بالنسبة للأسماء تحيرني الطريقة التي يفكر فيها البعض في اختيار أسماء أبنائهم، وبخلاف أسماء الوالدين أو الراحلين من الأقارب أو العظماء في التاريخ، أو الأسماء المحببة التي ترمز للطبيعة وسمو الأخلاق و… فإن هناك من يبحث عن الأسماء بطريقة تبدو غريبة جداً، أسماء نادرة لم يتسمَّ بها أحد، أسماء أجنبية صعبة، أسماء بلا معنى، وأسماء تسبب للأبناء الكثير من الحرج لاحقاً، بعكس أولئك الذين يسيرون بثقة كطواويس فخورين بأسمائهم.

يقول بول أوستر الروائي الأمريكي (نحن نكبر في أسمائنا التي تعطى لنا، نختبرها ونصارعها إلى أن نقبل بها كأسماء سنحملها طوال حياتنا، فإذا تعلمنا الكتابة ملأنا آلاف الأوراق بأسمائنا في محاولة لإقناع أنفسنا بأنها أسماؤنا فعلاً، وبأنها هويتنا في نظر العالم).

فاعتنوا بأسماء أبنائكم.