الكاتب والكتابة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كتابة المقال بنوعيه، العمود القصير المكثف، والمقال الطويل المفصل، فنان صحفيان قديمان، وعلى جانب كبير من الأهمية والتأثير، فحين لا يكون لصحافة الخبر دور فاعل يقوم المقال بدور صحافة الرأي، ويقف كاتب المقال أو العمود صحافة قائمة بحد ذاتها، ولقد مرت على بلاط صاحبة الجلالة الصحافة جيوش من أعظم الصحفيين الذين خرجت من تحت أيديهم صحافة ملأت الدنيا، وصحفيون شغلوا الناس، ولكن الذين لمعوا من كل هؤلاء وصاروا نجوماً بالفعل هم كتاب الأعمدة والمقالات، وتحديداً أعمدة الرأي، والأعمدة ذات النكهة الإنسانية والحس الواعي.

الكاتب المصري الراحل (أنيس منصور) الذي كرمته جائزة دبي للصحافة، واحد من أكثر الكتاب غزارة فيما أنتجه من مقالات وترجمات وكتابات في مختلف المجالات، وخاصة في الفلسفة، فقد كانت اهتمامه الأول، والعلم الذي تخصص فيه ودرسه في الجامعة قبل أن تأخذه الصحافة، وتحديداً العمود الصحفي الذي تفرّغ له، وحافظ على كتابته بشكل يومي تميز ببساطة الأسلوب والعمق، فوصل بذلك إلى أكبر عدد ممكن من الناس، وخاصة البسطاء منهم.

ولقد داومت ككثيرين على قراءة مقال أنيس منصور، رحمه الله، فكان من أجمل المقالات الصحفية، إضافة إلى مقال الكاتبين اللبنانيين سمير عطالله وجهاد الخازن، هذه الأقلام وغيرها تخصصت في واحد من أجمل وأصعب فنون العمل الصحفي على الإطلاق، وهو كتابة العمود الصحفي اليومي، الذي وصفه القاص الإماراتي عبد الحميد أحمد، وهو بالمناسبة كاتب عمود فذ، بأنه ورطة يومية.

أنيس منصور كان يكتب وفق منهج فلسفي يميل لمنطق التداعيات، فهو ينطلق من موقف أو مشهد أو فكرة، لتتداعى ذاكرته بمخزون تجاربها وحمولة معارفها، فيكبر المعنى وتتسع الفكرة وتزداد غنى، تماماً ككرة الثلج التي تبدأ بحجم قبضة اليد، وتنتهي كجبل شاهق أمام ما يعترضه، الفرق أن كرة أنيس منصور أو مقاله الصغير يبهج الذائقة.

ويقدم لقارئه الكثير من المتعة والمعلومات والأفكار والتجارب. كتب منصور بخفة ظل كما وبسلاسة ضمنت وصول المقال لأكبر عدد ممكن، وهذه واحدة من ضرورات كتابة المقال، إضافة لتكثيف اللغة وحيوية الفكرة المطروحة.

Email