الخيار الأجمل والأصعب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يلفت نظري هذا الأمر كثيراً، لذلك أتوقف، وأنصت بانتباه أكثر حين يكون الكلام حول سقف الحرية واختلاف تجارب الناس وتجارب الكتاب تحديداً، وكيف يختلف كاتب عن آخر وفكر عن فكر؟ فما من روح تشبه أخرى، ما من عقل يشبه آخر أو يفكر بالطريقة نفسها، نحن كائنات فريدة حين نريد ونسخ متكررة وباهتة من بعضنا حين نريد ونقرر.

أما الحياة فكما أنها قدر مفروض علينا فإن العيش فيها هو اختيار في نهاية الأمر، إن هناك فارقاً جوهرياً بين الحياة والعيش وكلنا نعي ذلك وإن كنا لا ننتبه، فنظن أننا إذا قلنا إننا نحيا فمعناه أننا نعيش والأمر ليس كذلك حتماً.

إن الدروب التي مشيتُها أنا لم تمشها أنت، والكتب التي قرأتها أنت لم يتح لي لأسباب كثيرة أن أقرأها، لكنني مثلك ومثله ومثلها جدفنا صوب مساحات أخرى ومغايرة للمعرفة، ومكنتنا الحياة كل بحسب جهده من أن نطل عليها من نوافذ تشرف على مختلف الجهات، وجهات المعرفة تختلف عن جهات الجغرافيا، فإن كانت تلك أربعاً أو ثماني، فجهات المعرفة تزيد بمئات الجهات حتى يتاح للجميع أن يظفر بجهة منها.

ففي ختام الأمر نحن كائنات وجدنا لنعرف ونختلف ونعيش الحياة ونعمها، لذلك فنحن نختلف بقدر ما نعرف ونتبصر، وبقدر ما نحترم خياراتنا، ونتفق بقدر ما نذهب عميقاً في إنسانيتنا، لذلك ففي بدء الأمر كانت المعرفة وكانت الحرية.

الذين يراهنون على مشروع الفوضى لا يفعلون شيئاً مفاجئاً، لكنهم حتماً لا يختارون المشروع الأنجح، فعلى مر التاريخ كانت الفوضى هي الخيار الجاهز لكنه الخيار الفاشل، والدليل أنه لم يستمر في أي مكان، الفوضى لا تبني ولا يتأسس عليها أي بناء، لكن الحرية مسؤولية وعبء ليس سهلاً أبداً، إنه على جماله وكما قد يعتقد البعض على سهولته يشبه الكائن الذي لا تُحْتمل خفته على حد وصف الروائي ميلان كونديرا، لكننا لا يمكن أن نرتقي إلا بالحرية والمسؤولية.

 

Email