«هنا والآن»

ت + ت - الحجم الطبيعي

يفتتح الكاتب الجنوب أفريقي «جيه. إم. كوتزي» أولى رسائله إلى صديقه الكاتب الأمريكي الشهير بول أوستر بالحديث عن الصداقة، يقول «أفكر منذ فترة في الصداقات كيف تنشأ، وكيف تدوم، أو كيف يدوم بعضها، لفترات طويلة، تتجاوز حتى علاقات الارتباط الغرامي..»، التي سرعان ما تنتهي عند أول مأزق، بينما تصمد بعض الصداقات عمراً بأكمله.

يناقش كوتزي صاحب رواية «العار» موضوع الصداقة من منظور أهميتها في حياة الأفراد ومكانتها في الأدب، فالصداقة أحد أقوى أنظمة العلاقات الفردية والجمعية، التي كتب وقيل فيها الكثير، وفي رسالة قصيرة هي الأولى في كتاب الرسائل بين الكاتبين يحاول كوتزي أن يفرق بين كمية الكتابات الكثيرة، التي تزخر بها المكتبة عن الصداقة وبين أهميتها، فما يكتب عن الحب مثلاً كثير جداً، لكنه مثير، ويستدعي التوقف، ويضيف معرفة، تدفع للبحث والتقصي بعكس ما كتب ويكتب عن الصداقة!

يقول كوتزي لصديقه إنه أراد أن يتأكد من كل ذلك، فذهب للمكتبة، واختار عدداً من الكتب خصصت كل محتواها للصداقة، الأمر الذي فاجأه بالفعل، لكنه عندما فحص محتواها بشكل عميق وجدها لا تقول شيئاً مهماً أو مثيراً أو تقدم إضافة جديدة، ما يؤكد أن الصداقة موضوع شائك أو أشبه باللغز، فلا أحد يجيب عن سؤال: لماذا يصبح الناس أصدقاء؟ ويبقون كذلك طويلاً؟ لماذا نختار فلاناً صديقاً رغم الاختلافات الظاهرية بيننا، وكيف نحافظ على تلك العلاقة حتى الموت أحياناً!

هل بالفعل لا توجد أمور مثيرة في الصداقة كما في الحب؟ على العكس تماماً فهناك العديد من الأمور المثيرة، لكن الأدب لم يلتفت إليها بعمق وبالجدية المطلوبة، فمثلاً: نحن نمضي سنوات في الصداقة، لكننا لا نتكلم عنها، لا نقول مشاعرنا لأصدقائنا، ربما تتحدث النساء عن ذلك، لكن الرجال لا يفعلون، حتى يرحل الصديق، وينتصب الحزن كمارد، عندها يكون الوقت قد فات!

إن فكرة تبادل الرسائل بين كاتبين كبيرين حول قضايا الأدب والسياسة والفن والعلاقات و… فكرة عظيمة، ومؤشر قوي، يعبر عن وجود صداقة عظيمة، ولكن بطريقة مختلفة!

Email