قوة الخطأ!

ت + ت - الحجم الطبيعي

«القوة الفائقة للخطأ» يبدو المصطلح غريباً أو صادماً بعض الشيء، نعم، لكنه صحيح تماماً، ومهما أظهر البعض اندهاشه من أن يصبح للخطأ هذه القوة إلا أن الواقع يقول العكس تماماً، فللخطأ أحياناً كثيرة قوة لا نتخيل حدودها وتمددها وسيطرتها على الأفراد والجماعات، حتى أننا نقف حائرين في القوة الخفية التي تمنح هذا الخطأ هذه القوة على البقاء والاستمرار رغم إجماع الكل على خطورتها.

إن الوضع الذي نراه أمامنا أو الموقف الذي يحصل أو الحالة التي نعاينها وتكون خاطئة بشكل واضح لا جدال فيه، يمر أحياناً مرور الكرام ويغض الطرف عنه بشكل مثير للريبة: كحارس متحف سرق قطعة أثرية منه وبقي مكانه، وكرجل مؤتمن على جمع التبرعات في مؤسسة خيرية يستولي على الأموال دون مساءلة، وكمسؤول في دار للوثائق يهرّب مخطوطات للخارج وقد شوهدت وهي تباع بالفعل وتختفي بشكل نهائي بينما يحتفظ هو بعمله، وككاتب يثبت تورطه في شراء مقالات وقصص وينشرها باسمه بينما يستضاف في المؤتمرات والندوات بكل بساطة.. إن أمثلة كهذه لا تعد ولا تحصى.

هذه مجرد نماذج لا أكثر، لأخطاء وتجاوزات شائعة في كل مكان من العالم، ومثلما يمثل الفساد خطراً شرساً لأي إدارة ولأي دولة ومجتمع، فإن القائمين على حراسته يمثلون الخطر الأشد شراسة، وهؤلاء ينتشرون ويتمددون بأكثر من شكل في المؤسسات تحديداً، هؤلاء الذين يرون الفساد ويسكتون عنه أو يمررونه أو يقبلونه ببساطة، وأما الأشد خطراً فهم أولئك الذين يقللون من شأنه ويفسحون له الطريق ليستمر.

قوة الخطأ الفائقة تكمن في تلك المديرة في إحدى الدول التي قبلت توظيف شخص عرف بفساده وسرقته لوثائق نادرة بشكل يدفع للغضب ويثير الريبة، إنها قوة الخطأ أو قوة الفساد، لأن الأمر يتجاوز حدود الموظف لمن هم أكبر منه، يحرسونه ليستمر مسلسل التربح، ويقوى الفساد ويتفاقم، ما يجعل القضاء عليه في بعض المجتمعات أمراً مستحيلاً، فالإصلاحيون لا يواجهون موظفاً أو حالات فردية ولكن تكتلاً قوياً يشد بعضه بعضاً، ما يعرقل مشاريع الإصلاح والتنمية فعلاً!

Email