من يعلمنا الحرية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن قراءة متأنية لما يدور عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام: تويتر، فيسبوك.. وغيرهما، يجعلك تتيقن أن الفرق بين كاتب وآخر، وبين قراء وقراء آخرين، بين ردود وردود، وبين تعليقات وتعليقات، لا علاقة له بادعاءات الحرية والديمقراطية والانفتاح، ووجود توجهات محددة من الأفكار، الفرق تخلقه التربية داخل البيت أولاً، ثم تأتي ضوابط التربية والسلوك الأخرى، عبر القنوات المختلفة المتفق عليها اجتماعياً، لذلك، مَن لا يحظى بتوجيهات وتعليمات أسرية راسخة وسليمة حول الصح والخطأ، والمسموح وغير المسموح، والحقوق والواجبات، فإن انضباطه في الخارج، سيكون محل قلق دائماً!

من يخرج للشارع، دون أن يملك القواعد اللازمة لكيفية احترام النظام والقانون، لن يعرف كيف يحافظ على سلامته، ولا كيف يحترم سلامة الآخرين، وستعني له الحرية إطلاق العنان لرغباته، لفعل ما يراه ممتعاً أو مثيراً له هو فقط، سيقود سيارته بسرعة جنونية، وسيكسر قوانين السرعة وأنظمة المرور، أي أنه سيتجاوز كل شيء ببساطة، لأنه يعتقد أن هذه هي الحرية، حتى إذا تسبب في كارثة، سيجد من ينقذه ويبرر فعلته، لأن من يدوس على حقوق الآخرين، لا بد أن يكون أمامه قدوة أكبر، دلته على هذا الطريق.

في مجال الرأي والتعبير والحريات الفردية والاجتماعية، سنحتاج لتربية الأسرة، مضافاً إليها كل جهود مؤسسات التربية الأخرى: المدرسة، المناهج، القدوة، الإعلام، آليات الضبط القانونية.. إلخ، لذلك، لا يصح أن يترك البعض يمارسون عبثهم على صفحات مواقع التواصل، ينشرون ما يريدون، ويقولون ما يحلو لهم، تحت مقولة (حرية الرأي وحق التعبير)، لأن الحرية والحق انضباط أولاً.

أما الذين يدّعون أن تويتر وفيسبوك علموا الناس الحرية، أو فتحوا لهم الطريق نحو الحرية، فإنهم مخطئون تماماً، فأنت لكي تجادل وتناقش وتقول حقك، عليك أن تمتلك الأدوات أولاً، وليس العكس، نحن نأتي للإعلام والسوشال ميديا، ولدينا الكثير من الخبرات التي تمكننا من قبول ورفض ما يعرض علينا، وليس الإعلام من يعلمنا ذلك، لذلك لو لم نعرف حدود وأخلاقيات الحرية أولاً، فلن يعلمنا إياها إعلام التواصل!

Email