حكايات سفر..

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كل مرة أزور فيها مدينة بانكوك، يلفت نظري أمران: دماثة الناس وتماثيل بوذا أو الإله إندرا، هذا الإله الذي دائماً ما يظهر في نصب مهيب مزخرف محاط بالزهور والروائح والأطعمة، فتشعر إذا وقفت بجواره بأن أساطير ملونة ستنهمر عليك من حيث لا تدري، أواني الطعام التايلندي الصغيرة وزجاجات المشروبات الملونة تشعرك أنك إزاء بيت دمى، مع ذلك فلا أحد يمر بالنصب ساخراً أو محاولاً العبث أو المساس بهيبة التمثال أياً كان دينه، لقد وعت الإنسانية كيفية احترام خطوط التماس بين المناطق الحساسة، والدين أياً كانت نظرتنا له منطقة شديدة الحساسية.

في تايلند يقدس الناس أمرين: الدين والملك، فالجميع يظهر احترامه وتقديسه لهما أياً كانت حقيقة مشاعره، سألت فتاة كانت تعتني بنصب كبير خاص ببوذا ينتصب عند مدخل أحد الفنادق الفخمة عن الأطعمة والمشروبات التي تعكف على وضعها ورفعها من أمامه طيلة الوقت، فقالت إن إدارة الفندق تتكفل بالطعام والشراب يوميا، وهي تتكفل بالخدمة والنظافة، فتضع الأطعمة حتى الصباح التالي حيث تقوم باستبدالها، فأرواح الأسلاف تتنزل في المساء لترى ما قدم باسمها للإله ثم تغادر، جادلتها قليلا فابتسمت قائلة: نحن نؤمن بأن ذلك ما يحدث!

كنا ثلاثة نسير في أحد شوارع القاهرة المكتظة بالسيارات والبشر والضجيج الذي تختلط فيه أصوات أبواق السيارات بأصوات الباعة، ومن مطعم يقدم العشاء الى مقهى تشرب فيه قهوتك، يدفعك فضاء القاهرة إلى حوارات وتأملات لا تستطيع تحاشيها، تأخذك الخطوات إلى الشوارع الخلفية في حي الزمالك، حيث عاش المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، ومحمود رياض، والملحن كمال الطويل وعبدالحليم حافظ، الحي ذاته والمباني نفسها، أما الأسماء فمكتوبة على لوحات معدنية مثبتة على مداخل المبنى حيث (هنا عاش) تتلفت، ترفع رأسك، تسمع أحد مرافقيك يتمتم بحسرة (معقول، في هذا البناء المتواضع عاش فنان بحجم عبدالحليم) وتسمع في خلفية ذلك كله صوت شاعر يقول لك (لا أنت الذي كنت ولا الزمان هو الزمان).

Email