ثلاثة يكتبون لحظتهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

في جغرافيا لا تبدو محايدة أحياناً، وفي حقبة زمنية لا تبدو سهلة ولا عادية، ولا بريئة كذلك، لحظة وضعتهم معاً في عمق مدينة، هي نموذج واضح لمدن الاستنفار، والتوجس، والقطيعة، وفي جلسة بدت لهم كاستراحة محارب، أو سائح أو زائر، جلسوا في أحد مقاهي الشوارع المنتشرة في المكان، قدموا طلباتهم للنادل، بلا تفكير كثير في نوعية ما طلبوا، ثم قرروا أن يقولوا لبعضهم شيئاً، أو لأنفسهم ربما.

شيء أشبه بالبوح عما يعتمل في دواخلهم، ذاك ما أراد الثلاثة أن يقولوه، كل بطريقته، كانوا وكأنهم يتحركون خارج الزمان الذي هم فيه، وقريباً منهم كان يلوح منزل إدوارد سعيد، البروفيسور والمفكر الفلسطيني، الذي عرف مبكراً معنى أن يعيش الإنسان خارج المكان، كانوا كلهم خارج أماكنهم الحقيقية، لكن أياً منهم لم يكن في المكان الذي يتمناه أو يحلم به!

اتفق الثلاثة على أن يقولوا ما يشغلهم، أن يكتبوا أفكارهم دون أن يعرف أحدهم ما الذي يشغل بال الآخر في تلك اللحظة: لحظة الإنسان في علاقته بالمدينة وإنتاج المعرفة، وضرورة العلاقات الإنسانية؟

كتب أولهم أن ما يؤرقه جداً في تلك اللحظة، هو فكرة الروابط الإنسانية، فماذا لو عشنا حياة خالية من هذه الروابط والعلاقات؟ كيف يمكن أن نعيش بلا أحد يشاركنا أفراحنا وأحزاننا وعواطفنا؟ كيف ستكون تلك الحياة، لقد تخيلها حياة مساوية للفراغ القاتل!

أما الثاني، فقد كتب على ورقة أمامه، أن ما يشغله هو فكرة المعرفة التي تحرر الفرد من قيود الحاضر، وكيف يمكن لهذه المعرفة الصادقة، أن تنتج مشاعر وعلاقات صادقة، في ظل مدن تتحول بشكل شديد القسوة والعنف، مستحضراً، وهو يفكر في ذلك، رواية «عالم الأمس» لـ«ستيفان زيفايج».

أما ثالثهم، فقال إن ما يشغله بقوة، هو فكرة المدينة بكل تحولاتها وفسادها وقسوتها، وتأثيرات ذلك في أخلاق الناس وعلاقتهم بأمكنتهم وبمن حولهم، مستحضراً، وهو يتحدث، رواية «روائح المدينة»، للتونسي د. حسين الواد.

لاحقاً، ترك الثلاثة ما كتبوه في المقهى، وغاصوا في أحشاء المدينة.

Email