زيارة لمتاحف بعيدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

المتاحف ليست مجرد مبانٍ أنيقة ولامعة تقع تحت حراسات مشددة نظراً لأهمية محتوياتها، بقدر ما هي نوافذ عظيمة تنعش الذاكرة وتحفظها في ذات الوقت، إنها المتمم الموضوعي والطبيعي للتأريخ والأدب وكتابات السيرة الذاتية، إنها الدليل على حسن صيانة المنجز الإنساني للأجيال السابقة، والشاهد على الأثر والسير والمسير.

والمتاحف أنواع بحسب موضوعاتها ومقتنياتها وأهدافها، فهناك متاحف عامة، والوطنية، ومتاحف للفنون، وأخرى للشخصيات والمشاهير، ومتاحف للصناعات المختلفة كمتحف السفن والسيارات والطيران والفضاء، ومتحف للتاريخ الطبيعي، والفنون الإسلامية، وفي العالم كله تعتبر الولايات المتحدة ودول أوروبا من أكثر البلدان اهتماماً بالمتاحف بجميع أنواعها وموضوعاتها، ويبدو هذا الاهتمام بمقدار الإنفاق المادي عليها وصيانتها وتطويرها وإدارتها.

إن زيارة واحدة قد تستغرق يوماً كاملاً، تقوم بها لمتاحف عظيمة مثل الارميتاج الشهير في سانت بطرسبرج، أو متحف مدام توسو، أو متحف تيت للفنون في وسط لندن، أو متحف التاريخ الطبيعي في واشنطن، لا يمكنك أن تنساها، فهي تتحول بمرور الوقت إلى تجربة معرفية عميقة تضاف إلى معارفك وتترك فيك أثراً وجدانياً حقيقياً.

زرت منزل الروائي العظيم دستويفسكي الذي تم تحويله لمتحف شخصي له في مدينته سانت بطرسبرج، فشعرت كأن الروائي قد أرخ لتاريخ وتحولات مدينته من خلال رواياته وتفاصيل بيته، إضافة إلى دقائق مقتنياته الشخصية وأثاث منزله ودفاتره وخط يده، فكل ذلك كان ينقل للزائر روح تلك السنوات التي عاشها دستويفسكي في ذلك المنزل.

لاحقاً زرت متحف أو قصر بيترهوف فلم أستطع أن أمنع نفسي من التساؤل عما استفادته روسيا من تلك الثورة التي قضت على تلك الحقبة الزاهية التي أنتجت مثل هذه الروائع الخالدة ودون أن تترك وراءها شيئاً يذكر من الفن والعظمة؟ أما عندما زرت متحف أم كلثوم ونجيب محفوظ، فأيقنت أن بيننا وبين تقدير عظمائنا مسافة لا أدرى كيف سنقطعها لنمنحهم حقهم في متاحف تخلد سيرتهم وإبداعاتهم كما يفعل الآخرون؟

Email