اللغة كنظام حياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تحتاج أجيال اليوم من أبناء العرب إلى اللغة العربية، إلى هذه الدرجة التي نعقد فيها مؤتمرات للغة العربية، وندوات واجتماعات لمناقشة تدني مستواها بين الطلاب والطالبات؟ هل نحن بحاجة فعلاً إلى بذل كل هذه الجهود، وإنفاق كل هذه الأموال؟ الجواب: نعم نحتاج، لأن اللغة كالأرض، فمن لا أرض له، لا وجود له، إلى هذه الدرجة؟ وأكثر من ذلك.

إذا سألت نفسك عن أول ما تسمعه وتتعامل معه ويدخل إلى مدار حواسك أينما ذهبت، وأينما سافرت، وفي أية أرض وأي بلد تحط رحالك فيه، فستجد أنها اللغة، ليس الطعام ولا الموسيقى ولا الرقص، ولا حتى الثياب أو النظام السياسي.

إن ضابط الجوازات المصري يحدثك بمصريته اللطيفة، وفي مطار ليوناردو دافنشي، ليس سوى الإيطالية تتقافز على الألسن كعصافير ملونة، وفي مطار شارل ديغول، لن تسمع أذناك سوى لغة موليير، وفي جون إف كينيدي في نيويورك، لا لغة تعلو على إنجليزية الأمريكان، إنها اللغة، العتبة الأولى لجميع أمم وشعوب العالم.

إن المطار هو العتبة الأولى للدولة، هو الباب الأول الذي تدخله في أي مدينة في العالم، تلك البوابة المهمة، ستحمل دوماً اسم رمز، إما أن يستحضر الوطن أو التاريخ أو البطولات أو الأمجاد، فأسماء، كدافنشي مثلاً، يستحضر تاريخ الفن وتاريخ النهضة وتاريخ إيطاليا، مجسداً في اسم إيطالي صرف، لا جدال في إيطاليته.

تخيل لو أن الإيطاليين لا يعرفون لغتهم، فكيف سيعرفون تاريخهم وفضلهم على نهضة أوروبا والعالم، ودورهم في الفلسفة، وكيف سيحق لهم أن ينتموا لهذا التاريخ، ويشعروا بتميزهم واستقلاليتهم؟.

اللغة في حقيقة الأمر، أكثر من مجرد مصفوفة كلمات، وأكثر من وسيلة تواصل، فالإنسان يمكنه أن يتواصل بلغة الإشارة، وبلغة غير لغته، لكنه لا يمكنه أن يشعر بوجوده واستقلاليته، ويحب رموزه، ما لم يعرف لغته، لهذا، فما لم يعرف أبناؤنا لغتهم ويحبوها، فإنهم لن يتعاطفوا مع قضايا أمتهم، ولن يعرفوا دينهم وتاريخهم.

Email