الذي يجعل المكتبة مكتبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاءني سؤالها طريفاً بعض الشيء، وكانت قد توجهت بالسؤال نفسه إلى مجموعة من المشاركين والمسؤولين عن الحدث الثقافي الذي تقام فعالياته في مكتبة محمد بن راشد مساء الأمس: لماذا سميت المكتبة مكتبة؟ وبالمناسبة فالمكتبة التي كنا نقف في بهوها الشاسع لحظتها، وأمام أرفف بلا عدد وكتب لا تحصى تمتد من أرض البهو حتى سقفها الشاهق، هذه المكتبة تشهد نشاطاً فكرياً وثقافياً متنوعاً وكثيفاً هذه الأيام، ولأيام كثيرة آتية، بالتنسيق مع كافة الجهات والمؤسسات الثقافية في المجتمع.

فمن أيام عميد الأدب طه حسين إلى منتدى تعبير الأدبي لنعود إلى أيام شيخ الرواية العربية نجيب محفوظ، ولتتنوع الأمسيات والجلسات ويعبق فضاء المكتبة بمختلف البشر، كباراً وصغاراً، كتاباً وأدباء وجمهوراً، وتنطلق أصوات الأدب والشعر والفلسفة والقصة، و.. ذلك ما يجعل من الثقافة شأناً عاماً يدخل إلى صلب اهتمامات الإنسان العادي، كما أصبح المقهى والمطعم وصالة الرياضة وكوب الكابتشينو، والسفر، والملابس الفاخرة و.. اهتماماً عاماً لمعظم الناس.

حين تتحول الكتابة فيها من مجرد أوراق وأقلام ومخطوطات وكتب ومجلدات تقرأها جيوش من القراء الصامتين، يمضي كل منهم إلى وجهته بعد أن ينتهوا من القراءة، ودون أي أثر أو صوت، إلى فعل ثقافي، إلى علاقة حية ونابضة، إلى فاعلين مؤثرين، وإلى أصوات مسموعة وفعل مستمر ومشع وخير في جملة الحياة، عندها فقط تصبح المكتبة مكتبة.

إن الذي يجعل المكتبة مكتبة هو كل من يقف خلف الكتابة والكتب، كل من يقدم للإنسان المعرفة بالتاريخ العريق لاختراع الكتابة وأدواتها، والسجل الإنساني للترجمة وانتقالها بين عروق الحضارات، والرحلة العظيمة لأوائل المطبوعات ونوادر الكتب والمخطوطات والأطالس و.. إن هذا التاريخ العظيم للمعرفة الممتد منذ اختراع الكتابة واللغة وحتى اليوم، والموجود داخل المكتبات هو ما يجعل المكتبة مكتبة حسب ظني الخاص.

الذين يبنون المكتبات ويصنعون مجدها بالكتب والمحتويات المعرفية ويشرفون عليها ويفنون أعمارهم لأجلها يعرفون معنى البناء وقيمة التغيير الذي ينتج عن وجود مكتبة في أي مكان.

Email