العيش من دون ثقافة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يغير العالم التقني والتقنيات الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي حياتنا اليومية، ينعكس ذلك على مجالات حيوية مثل: العمل، والتعليم، والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية. لقد عززت هذه التحولات من شعورنا بالتقييد والمراقبة، وحفزت رغباتنا في الاستهلاك، ما أدى إلى تنامي الحالة الانعزالية وصعوبة تشكيل وجهة نظر حيال أية قضية. نحن مدمنون على هذه التكنولوجيا، ونشعر بالكرب والارتباك عندما ننفصل عن تيار المحفزات المتدفق عبر الشاشات.

إن هذه الصورة لحياتنا الحالية ليست صورة متشائمة من حيث علاقتنا بالتقنية التواصلية الحديثة، فنحن مثلاً نعيش في مجتمعات محافظة إلى حد ما، وما زالت منظومتا الدين والقيم تقومان بدور كبير وحاسم في تنظيم بعض نواحي الحياة، ومع ذلك فإن غالبيتنا مرتهنون لتقنيات ما بعد الحداثة ولاشتراطاتها وتفاهاتها فعلاً، وبغض النظر عن مدى فاعلية وأهمية ما ننتجه جراء هذا الارتهان وهذه العلاقة، إلا أن حياتنا قد تغيرت بالفعل، وربما إلى غير رجعة، وعلى جميع المستويات بسبب هذه التقنية.

إن كتاب «ما أجمل العيش من دون ثقافة» للكاتب ثيسار أنطونيو مولينا، من الكتب التي طرحت مؤخراً في سوق الكتب العربية، حيث يحتوي على مجموعة كبيرة من المعلومات والمراجع والتأملات التي تحاول تهدئة تلك المخاوف من كون العالم سيصل فعلاً إلى مرحلة يقطع فيها صلته بالثقافة والدين والكتابة والورق والمكتبات والكتب. والكاتب هنا يحاول أن يقول بكل أدواته ومرجعياته إن الحاجة ملحّة أكثر من أي زمن مضى للحفاظ على الفكر النقدي مستمراً وباقياً ضد الاضمحلال والتلاشي، وعلى الموسيقى والكتب، ولكن لا بد من الإفادة من التكنولوجيا.

يوجين يونيسكو، المؤلف المسرحي الفرنسي الذي يعد من أبرز مسرحيي مسرح اللامعقول، إضافة إلى السخرية من عبثية أوضاع الحياة، يقول: «إن البلد الذي لا توجد فيه أي ثقافة ما هو إلا بلد من العبيد أو الروبوتات، بلد من الناس الذين ليس لديهم روح، بلد بلا روح»، وهذا أدق وصف يمكن أن يوصف به مستقبل البشرية في حالة سعيها للخلاص من الثقافة بجميع أدواتها وتمظهراتها، فهي بذلك إنما تسعى لنهاية عصر الإنسانية، والدخول في عصر عبودية الروبوتات.

 

Email