وللناس مذاهبهم في كل أمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء في كتاب الأيام لطه حسين: (وللناس مذاهبهم المختلفة في التخفف من الهموم والتخلص من الأحزان، فمنهم من يتسلى عنها بالقراءة، ومنهم من يتسلى عنها بالرياضة، ومنهم من يتسلى عنها بالاستماع للموسيقى والغناء، ومنهم من يذهب غير هذه المذاهب كلها لينسى نفسه ويفر من حياته الحاضرة وما تثقله به من الأعباء).

والحق أن للناس في كل أمر مذاهب مختلفة، إن في تزجية الوقت أو طلب البهجة والمتع، أو في التخفف من الهموم، وللناس فيما يعشقون مذاهب كما نعلم ونتداول، وبالأمس كنت أتحدث مع صديقة لي عن بلدها لبنان وكيف أنها هجرته ككثيرين ضاقت بهم أرضه بعد كل ما عصف به، لكنه يظل حلماً في الخاطر حاضراً وعشقاً في الروح ثابتاً أذهب إليه كلما طرق الشوق قلبي، وهو دائماً ما يطرق.

قلت لها: لكنني أعرف أناساً تركوا أمريكا وجاءوا بكامل إرادتهم للعيش في لبنان برغم كل ظروفه حباً في المكان وسعياً لروحه الحلوة، فقالت لي: ذات يوم زرت مصر فما أردت إلا أن أتجول في الحسين وشارع المعز والغورية لأنني كنت بحاجة لأصوات الحياة ونسغها الحار ووقعها الحي، كنت أريد مكاناً يعجنني مع مكوناته لأصير كرغيف ساخن يقدم على مائدة الحياة كل يوم..

وفي العشق نحن نحب ما نحتاجه، ما نبحث عنه، ما يكملنا، وما نكتمل به، فإذا حضر ذاك الذي كان ينقصنا طويلاً، والذي كانت حياتنا ماضية بدونه كسفينة في بحر واسع تسير بقوة الريح، لا بقوة مجاديفها ولا بتوجيه ربانها، هذه السفينة تظل رهينة العاصفة، لا ترد ريحاً ولا تدفع موجاً، أينما يوجهها البحر تتوجه، هكذا تكون حياة من ينقصه الشغف أو الحب أو الصديق الحقيقي، فإذا حضر استقامت الحياة، وعرف طريقه جيداً. يقول محمود درويش (قُلْ للغياب: نقصتَني! وأنا حضرتُ.. لأُكملك) إن من ما ينقصنا، قد يكون شخصاً، حبيباً أو صديقاً، مكاناً، أو شغفاً، حين ينبثق كرحمة يصير البوصلة التي تحدد لنا وجهتنا وحركتنا.

 

Email