ما يفوق الحب

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل كان يتصور طه حسين أن يتزوج بامرأة فرنسية؟ هل خطر بباله وهو يعدو بين دروس وأعمدة الأزهر أن توافق على الارتباط به فتاة فرنسية سيجلس معها يوماً في أحد مقاهي باريس؟ وهل يمكن لأحد أن يعي ماهية العلاقة بين طه وسوزان، اللذين ظل كلاهما يرى العالم والحياة من خلال الآخر؟ هل يمكننا أن نتوصل فعلاً لمعنى هذه العبارة الشاهقة والعميقة والفلسفية التي قالتها سوزان لزوجها طه حسين «ما بيننا يفوق الحب»؟

السؤال ليس من قبيل الجدل أو الحديث حول الرومانتيكية، لكنه سؤال عن كُنه الحالة، حالة التكامل أو الاكتمال التي ربطت سوزان بالطالب المصري الكفيف طه حسين، فأحبها حبَّ ملازمة حقيقياً، فأصبح لا يرى العالم إلا من خلالها بعد أن أصبحت شريكة حياته لأكثر من خمسين عاماً.

كتب لها رسالة من فيينا يقول: «بدونك أشعر أني أعمى حقاً، أما وأنا معك، فإني أتوصل إلى الشعور بكل شيء، وأني أمتزج بكل الأشياء التي تحيط بي».

وعندما رحل هو عن العالم، كتبت هي تقول: «ذراعي لن تمسك بذراعك أبداً، ويداي تبدوان لي بلا فائدة بشكل محزن، فأغرق في اليأس، أريد عبر عينيَّ المخضَّبتين بالدموع، حيث يقاس مدى الحب، وأمام الهاوية المظلمة، حيث يتأرجح كل شيء، أريد أن أرى تحت جفنيك اللذين بقيا محلّقين، ابتسامتك المتحفظة، ابتسامتك المبهمة، الباسلة، أريد أن أرى من جديد ابتسامتك الرائعة..».

خلدت حياتهما معاً في كتاب بعنوان «معك»، وكأن حياتها لم تكن ولم توجد ولم تتبلور إلا مع العميد. تقول سوزان في بداية كتابها: «أريد أن أخلد للذكرى، وأستعيد ذلك الحنان الهائل الذي لا يعوض»، حنان فاض به طه حسين منذ سحر بصوتها العذب، فسماها في كتابه الأيام بـ«صاحبة الصوت العذب» لحظة لقائهما عام 1915 في مونبلييه عندما كان يدرس التاريخ والجغرافيا، وهي الهاربة من القصف الألماني، حيث كانت تتلقى تعليمها في مدرسة المعلمين.

Email