أيام طه حسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذات يوم بعيد من عام 1889، وكان القرن التاسع عشر لمّا ينتهِ بعدُ، أشرقت شمس يوم الجمعة، الخامس عشر من شهر نوفمبر، على قرية مصرية فقيرة صغيرة، تسمى قرية الكيلو، واحدة من قرى مصر المنسية، في هذا اليوم، وُلد طه حسين، الطفل الفقير الضئيل البنية، الشاحب الملامح، والسابع بين 13 أخاً وأختاً.

هذا الطفل الذي لن يكمل الرابعة من عمره، حتى أصيب بالرمد، فاستدعى والده حلاق القرية ليعالجه، فتسبب هذا الجهل والإهمال، في فقد الصبي لبصره، تماماً، مثلما حصل مع أبي العلاء المعري، ومثلما نبغ المعري في الشعر واللغة والأدب، انطلق طه حسين من الصفر الاقتصادي والاجتماعي، ومن ظلام العمى والعجز والفقر، إلى القاهرة، ومنها إلى باريس، ليعود أستاذاً في الجامعة، وعميداً للأدب العربي، ووزيراً للتربية والتعليم عام 1952، وليرشح لنيل جائزة نوبل، وليثير الكثير من المعارك، ويستجلب لنفسه ما لا يطاق من العداوات.

في كتابه الأيام، سنسير مع الصبي طه في طرقات القرية، التي سيشق بدايات حياته فيها كيفما اتفق، بالجد والسعي والتعلم، وبالشقاوات والادعاءات، ومناصبة معلمه العداء، وبحفظ القرآن، ونسيانه، وتعرضه لتهكم والده، الذي قاده لمحاولة الانتحار، ثم أدخله في نفق من الشعور بالخجل والحرج والعزلة، خشية التعرض لضحكات وتهكم الآخرين، من هنا، جاءت مقولته (إن العمى عورة).

على الرغم من كل ذلك، فإن طه لم يكف عن الحفر في واقعه، لاكتشافه، ولمعرفة ذاته، وما يدور في فضاء قريته: فأنصت لحكايات الحكواتيين الذين يقصون سيرة الزير سالم وأبو زيد الهلالي، ولغناء النساء وتعديدهن، ولأحكام المتصوفين ورجال الطرق الصوفية، ولأدعية وأوراد جده قبيل صلاة الفجر، كما حاول حفظ ألفية بن مالك، وهو لمّا يبلغ الـ 13 من عمره!

إن من يقرأ «الأيام»، سيرة وحياة طه حسين، يجد متعة في تقفي أثر هذا الرجل، ورحلة الكفاح التي قطعها، شامخاً كطود، رغم كل العوائق، ورغم عداوة القصر وشيوخ الأزهر، والعديد من تلامذته وشيوخه.

Email