عندما يسألني أحدهم ماذا تحبين في مصر، أو لماذا تحبين مصر؟ كان يبدو لي سؤالاً غريباً أو لا يصح، فمن وجهة نظري لا أتصور أن هناك من لا يحب مصر، مع ذلك فلا بد أن نحفظ لكل شخص حقه في السؤال والمخالفة والاختلاف، فهذا مما تقتضيه حرية الاختلاف، أما لماذا أحب مصر؟ فالحب إن لم يكن له تفسير فإن له تفصيلاً بالتأكيد، إن عين المحب لا ترى النواقص، ولا تظهر السيئات عادة، أما قلبه المخلص فيراها، ويتمنى ألا تكون!
من معجزات التعبير أن يصف المصريون مصر بأنها «أم الدنيا»، وهي كذلك، فمصر طبقات بعضها فوق بعض: من الجغرافيا إلى التاريخ، خمسة أو سبعة آلاف سنة من الحضارة، مصر الشواهد والعجائب، الأهرامات وأبو الهول ومعبد الكرنك والملك رمسيس وكليوباترا والتوحيد وإخناتون وآمون، ومكتبة الإسكندرية والنيل العظيم، والأساطير و..، وعدد لا يحصى من الدول والشعوب والحضارات تتالت، واستقرت وتولت وبقيت مصر.
مصر هي القدرة على تخليق الرموز والأساطير، واحتراف صناعة التاريخ كل يوم، ومصنع إنتاج النكتة الطازجة، وروح الفكاهة التي كرغيف ساخن، الثورات ورجال الفن والزعماء والثوار والشعراء والحكائين والروائيين، مصر الإرادة الحرة، التي واجهت الحملات والغزوات والمستشرقين.. كل هذا واضح وجلي، يمكنك أن تراه وتقف أمامه وتنهل من مخزونه.
ومصر الفقراء والفلاحين والبيروقراطيين والبشوات والنبلاء والارستقراطيين، التناقضات والعشوائيات، الزمالك وجاردن سيتي، وشارع المعز، والحسين والسيدة زينب والجمالية والدرب الأحمر، ووسط البلد، وطنطا والسيد البدوي والرفاعي، وعبدالباسط عبدالصمد، ومحمد صديق المنشاوي، وعبدالحليم حافظ، والملك فاروق والرئيس عبدالناصر، وثورة 1919 و1952 و30 يونيو، وطه حسين ومحفوظ، والأهرام والأخبار والمصور وروزاليوسف، وأم كلثوم والسنباطي وسيد مكاوي وسيد درويش.
مصر الأصالة والحداثة، مصر المكتبات في كل مكان، والأفلام والسينما والممثلين، الذين تركوا بصماتهم ووجوههم في تاريخ السينما، والجامعات والمدارس والمسارح والمحترفات والآثار والمساجد والمآذن الكثيرة والأندية الكبيرة.. مصر كل هذا وأكثر من هذا، لذلك هي «أم الدنيا».