في المعاني اللانهائية / القراءة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما هي القراءة؟ هي أن تمتلك معرفة تفكيك الحروف والرموز، لتتمكن من فهم الكلمات والمعاني، وعليه، فإننا حين نقرأ، نمتلئ بما لا حصر له من المعارف، ويكبر فهمنا وإدراكنا لأنفسنا، ولمن وما حولنا، لذلك، فالقراءة معنى يتسع ليشمل الكون، ويصغر ليكون بحجم تلك العلاقة الحميمة بين القارئ والكتاب الذي بين يديه، هذا القارئ الذي يعكف على تفكيك المعاني في كل ما يقرأ، ليصل إلى درجة ما من الوعي والإدراك.

هل فهمت يا رعاك الله إذن، لماذا يعتبر الشخص القارئ شخصاً مزعجاً أحياناً بالنسبة للبعض؟ لأن القراءة قد قادته مباشرة لطريق الوعي، فأصبح يعرف أكثر مما يجب، ويفكر ويسأل كثيراً، وقد يدس أنفه في ما لا يجوز، وما لا يستحب، ولعل هذا ما جعل القراءة والتعليم أموراً مهملة في بعض مراحل الحضارة الإنسانية، باعتبار الإنسان الجاهل، غير المتعلم، إنساناً مرغوباً فيه أكثر، لأنه شخص مستسلم، غير واعٍ، وغير مدرك لحقوقه، ولما يدور حوله، ما يسهل السيطرة عليه والتحكم فيه، وتوجيهه بمنتهى السهولة.

إن أول ما كسر حاجز الغيبوبة، وضرب بفأس كبيرة في بناء الجاهلية الكثيف في جزيرة العرب، كانت كلمة (اقرأ)، التي أخافت النظام السائد كله، لكنها أطلقت الإنسان من ضيق القبيلة، إلى فضاء الجغرافيا العالمية كلها، في ما بعد، تحولت القراءة إلى حق، وواجب وضرورة، ومعيار من معايير التحضر والنمو الإنساني، وطريق للمفاضلة بين الأمم والشعوب.

والقراءة متعة، وفائدة، وتحرر من الأوهام، واتساع في نظرتنا للحياة، ولكل ما فيها، وانفتاح على الإنسانية كلها، وعلى الحضارة بكل نواتجها، القراءة تحررنا من الخوف، وتملأنا بالثقة، وتجعلنا نؤمن أكثر بأنفسنا، وبقدرة الإنسانية على تجاوز كل العثرات والكوارث، وفي القراءة عبرة واعتبار، وحصانة للنفس والذات والهوية، ومقدرة على الاقتراب من الآخرين، وسبر أغوار الشخصيات التي نلتقي بها ونتعامل معها، والقراءة- لا غيرها- منحتنا- نحن القراء- الفرصة الأثمن لنعيش الحياة حيوات وثقافات وأفكار بلا حصر.

Email