في المعاني اللانهائية / ‏الصمت

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أول ما تعلمناه ونحن نشق طريقنا نحو المعرفة، ما لقنه لنا معلمونا وآباؤنا: من أنه (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)، وفي درس التعبير الإنشائي طلبت منا المعلمة يوماً أن نكتب عن منافع الكلام وفوائد الصمت، فأطلنا في شرح الأولى، ولم نعرف للصمت فوائد؛ لذلك لم نكتب عنه شيئاً حتى كبرنا وفهمنا وكتبنا.

أما علم الكلام فهو علم التوحيد، وعلم أصول الدين، وعلم الفقه الأكبر، وعلم الإيمان، كل هذا مما يدخل في علم الكلام الذي يدرس في كبريات جامعات العالم الإسلامي، وله أعلامه وعلماؤه، وفي مرحلة متأخرة ظهرت فرق وطوائف عرفوا بأهل الكلام، وهو لقب أطلق على طوائف مختلفة وضعت طرقاً عقلية وفلسفية في إثبات العقائد، والخوض فيما يتعلق بالعقيدة والقرآن والإيمان.

وفي ترك الكلام والإمساك عنه يبرز لفظان: الصمت والسكوت، وبينهما فارق كبير، كما يرى أهل اللغة، فالسكوت إمساك عن الكلام، حقّاً كان أو باطلاً، أما الصمت فهو إمساك عن قول الباطل دون الحق، وفي الإمساك عن الكلام تقدم اللغة العربية أربعة مترادفات: الصمت والسكوت والإنصات والإصاخة، ومن بينها يبرز الصمت كفضيلة كبرى يحفظ الإنسان من الوقوع في زلات اللسان ومنكرات الأقوال (فمن صمت نجا)، كما أُثر عن النبي عليه الصلاة والسلام.

والصمت فن له قواعده، ولغة يمكن تعلمها وإتقانها، ففي مواقف صعبة وحاسمة، لا يكون أمام الإنسان سوى اللجوء للصمت لتقليل الخسائر وتمرير العاصفة، هنا نحن أمام مغزى الصمت أو اللجوء إلى فن الصمت كوسيلة لإدارة المواقف الصعبة التي نواجهها في الحياة، وكلنا مررنا بهكذا مواقف ضغطنا فيها على رغبتنا في الكلام، مؤثرين الصمت كي تمر العاصفة.

إلا أن الصمت أحياناً قد يتسبب في كوارث، ونواتج مؤذية على صحة الإنسان ومزاجه ونفسيته، لذلك هناك توجهات عديدة لمواجهة كل ذلك بالكلام والتعبير عما بداخل الإنسان، أو بالكتابة أو بالصراخ، لأن الصمت هنا لا يكون من ذهب بل من مرض وخوف، تماماً كما قدمته وعبرت عنه الروائية المكسيكية مارثيلا سيرانو في روايتها البديعة «عشر نساء» عبر تسع سيدات يتحدثن عن مآسيهن لمعالجة نفسية.

Email