في المعاني اللانهائية / العمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

وما العمر؟ بحسب المعاجم قواميس اللغة، فإن العمر هو الزمن الذي أمضاه الإنسان منذ ولادته وحتى اللحظة الراهنة، وهو زمن يحتسب بالسنين والشهور والأيام والساعات، فتكون في أوج بهجتك وأنت تعيش أو تغادر عمر طفولتك طارقاً بوابات المراهقة والشباب، إلا أنك إذا تجاوزت الصبا وودعت الشباب، أخذت تتسمع متنبهاً ومهتماً لكل من يتحدث قائلاً: العمر يا صديقي لا يحتسب بالسنين، والشباب شباب القلب، فتشعر إزاء حديثه بكثير من الامتنان والنشوة، لكنك تعرف أن العمر يقاس بالسنين فعلاً!

والعمر أيام تنقضي وسنون جميلات باذخات ملآنة بالمسرات والأحلام والضحك واللعب، بالعمل والأمنيات، بالحركة والسعي، بالأصحاب والأسفار والمغامرات، أعوام تتوزع على طفولة ساذجة خالية من المتاعب والشقاء والظنون والأعباء والمسؤوليات، ننهل فيها من بساتين الانطلاق والعطف والحنان، تلك البساتين المباحة الموزعة بين الأمهات والآباء والجدات والأصحاب وفضاءات الأحياء والأزقة، ثم تهل علينا أيام تخض أرواحنا وأجسادنا، ويتغير كل شيء فينا، فنعرف أن باب الطفولة قد أغلق إلى غير رجعة.

وما العمر؟ أيام وأعوام تجري، تمر مر السحاب خاصة إذا شارفنا المراهقة، وعرفنا التعب والألم والغضب الحارق والأوجاع التي تنال منا لمجرد كلمة تقال، أو تصرف يبدر من صديق أو قريب، فأمام حساسية المراهقة ومتطلبات الشباب، لا نعود أطفال أمهاتنا، ولا يبقى الزمان هو الزمان الساذج الذي كان!

وفي عمر التكوين والجد والبناء، نستهلك كل ما لدينا لنركض في طرقات الحياة بكامل لياقتنا وصحتنا وأحلامنا، نتعلم ونرنو للجامعات ونسافر ونندرج في مؤسسات العمل ونتنافس، ونلتهم الحياة التهاماً، ثم ماذا يتبقى؟ أوقات قليلة للعائلة والأصحاب ولنا، فنكرر بثقة: غداً سنستريح وسنفعل كذا وكذا وكذا..!

وما العمر؟ أيام حلوة نعيشها لكننا نظل على قناعتنا بأنها مرت كطلقة، كشهقة نريد منها المزيد، يقول محمود درويش:

أُرِيدُ مَزِيداً مِنَ العُمْرِ كَيْ يَعْرِفَ القَلْبُ أهْلَهْ

وَكَيْ أَسْتَطِيعَ الرُّجُوعَ إِلَى...

سَاعَةٍ مِنْ تُرَابْ.

Email