أبجديات

في القاهرة لأول مرة 2

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعاملك المصري وأنت تسير في شوارع القاهرة أو تجلس على مقاهي الحسين والسيدة زينب أو تدخل مكتبات وسط البلد، بأريحية واضحة، لا يحاول أن يكون رسمياً معك ولا يعاملك كزبون، لذلك فهو يتبسط معك منذ الخطوة الأولى، منذ أن تدخل وتجيل بصرك في المكان باحثاً عن أفضل طاولة تستقر عليها أنت ورفاقك، يسحب لك الكراسي بضجيج عادي ومسرعاً يسألك طلباتك يا باشا؟ موجهاً الحديث لزميلنا المرافق، تنظر إليه فتجد وجهاً مصرياً صرفاً ومبتسماً بمبالغة، لا تتمكن من مجاراته حتى تجلس وتلتقط أنفاسك!

لا يمهلك النادل، فيختصر لك قائمة المشروبات والموجودات لأنه لا يريد تضييع الوقت، تماماً كما اعتاد وكما هو رتم الحياة هناك، يأتيك الشاي بعد طول انتظار في كأس صغيرة نصفها أوراق شاي ونصفها أوراق نعناع، فتستقر القاهرة في ذهنك مثل كأس شاي يعبق برائحة النعناع.

ومع الرائحة يصدح ألف صوت وصوت وحركة وموسيقى وأحاديث بصوت عالٍ، وصراخ، وزعيق، وصوت محركات دراجات نارية، أبواق سيارات، وخطوات المارة الذين تمتلئ بهم الطرقات والأزقة، نعم الأزقة الضيقة التي تجعلك تستحضر «زقاق المدق» لنجيب محفوظ، هل لمحت تلك اللوحة وأنت تعبر شارع المعز باتجاه مقهى نجيب محفوظ؟ نعم لمحتها، ذلك هو زقاق المدق! فيا لهذه المدينة ويا لمحفوظ ما أعظمه!

للأذان في القاهرة حكاية شجية، تمتد باتساع سماء المدينة ذات الألف مئذنة، يرفع فيها الأذان بمقامات مختلفة البيات والرست والحجاز، فتنصت خاشعاً للأذان مع كل ما يحفل به المكان من التذكارات والأحداث، والمقامات والرموز، فينتابك حزن شفيف متسقاً مع وقت السحر، فإذا رفع أذان الفجر على مقام الرست تاقت نفسك للتطهر والوقوف مصلياً، حيث ترتاح روحك وجسدك، ومع التواشيح والابتهالات تنهمر نغمات الحجاز شجية كشجن الليل وسكونه.

القاهرة، التاريخ، والعاطفة، والروح الحلوة، والأيام التي لا تتكرر، والأصدقاء، والحفاوة والمحبة.. وما لا يعد ولا يحصى.

 

Email