«أهل مكة.. أدرى بشعابها»

ت + ت - الحجم الطبيعي

هكذا يقال ويتردد بحسب المثل الحجازي الشهير، فأهل مكة أكثر معرفة ودراية بشعاب مدينتهم الجبلية المعروفة بطرقاتها الصعبة قديماً، وأهل كل مدينة أدرى بمدينتهم: طرقاتها وأحيائها وتاريخها وعائلاتها وعاداتها وتقاليدها وأساطيرها وإرثها وتراثها وثقافتها.. أهل المدينة أكثر من يعرف مدينته، لأن هذه المعرفة يتم تناقلها كميراث مقدس، يحرص عليه الناس، ويعلمونه لأبنائهم كأنهم يأتمنونهم على مدينتهم وحياتهم ومستقبلهم ومصيرهم.

لا تعطى مفاتيح وأسرار المدن وثغورها وحدودها قديماً وحتى حديثاً للغرباء، فالغريب يترك كل شيء عند أول إحساس بالخطر، بينما أبناء المدينة من يصيرون تروساً وأسواراً يدافعون عن مدنهم، وهم اليوم من ينقلون إرثها وثقافتها، ويطيرون به حول العالم، ومن يشرحونه ويحفظونه، ويدافعون عنه، لأنه يعنيهم كرابطة القربي، وكفصيلة الدم، وكسؤال الوجود: نكون أو لا نكون!

لذلك لا يصح ولا يفترض أن يستبعد المثقف الإماراتي عن أي نشاط أو مؤتمر أو مبادرة أو فكرة تتصل أو لها علاقة بثقافة الإمارات أو بمستقبلها الثقافي أو بعلاقة هذه الثقافة بتحديات الحاضر والمستقبل، فكل ما يستجد وما يحدث في هذا المجال يستلزم حضوره ووجوده ومشاركته، ليس تفضلاً ولا منة من شركات العلاقات العامة الأجنبية، التي تنظم الفعاليات، ليس على طريقة «الشاهد الذي لم يشاهد شيئاً»!

وليس بمعنى الحضور الصوري أو الشكلي، ولكن الحضور الواجب، الضروري والفاعل والمؤثر، الذي يجعله في دائرة المعرفة والاطلاع، والذي يجعل صوته ورأيه مسموعاً وعالياً وواضحاً، فهذا حقه وحق وطنه عليه، وطنه الذي هو أدرى بشعابه، ظاهرها وباطنها، كما أن أهل مكة أدرى بشعابها، وكما أن كل إنسان أدرى بشعاب بلده.

لماذا لا نجد مؤتمراً للثقافة البرازيلية في البرازيل يستدعي إنجليزياً للحديث عن تراث البرازيل، مثلاً؟ أو منتدى عن ثقافة جنوب أفريقيا يستدعي مثقفين خليجيين، ليحاضروا في ثقافة أفريقيا، وهكذا في كل مكان، لأن المثل يقول «ما حك جلدك مثل ضفرك»، و«ما طحن حبك مثل يدك وراحتك!».

Email