حديقة.. وأدغال!

ت + ت - الحجم الطبيعي

مبكراً جداً قرأت كتاباً عنوانه «الدحض العلمي لأسطورة التفوق العرقي» مؤلفه «آشلي مونتاغيو»، أورد فيه العديد من نظريات التفوق العنصري القائمة على تفوق العرق الأبيض الأكثر ذكاءً وتفوقاً ونقاءً، والمتحدر، حسب قناعاتهم، من أصول تختلف عن بقية الجنس البشري، وفي الكتاب أيضاً الكثير من المقولات حول الأجناس والشعوب الأخرى، التي كان الأوروبيون أيام حقبة الاستعمار، يرون فيهم مجرد كائنات بلا عقل، وذات قدرات جسدية وجدت لخدمتهم لا أكثر.

إن هذه المقولات أفرزتها عقليات فترة سيادة الاستعمار التي اتسمت بالتفوق العسكري والعلمي لأوروبا، وسيطرتها على معظم بلدان الكرة الأرضية، ما أتاح لها استنزاف مواردها وخيراتها، التي تمكنت بها من بناء نهضتها ورفاهيتها والإنفاق على تقدمها العلمي، وبناء حدائقها وبساتينها، تاركة تلك المستعمرات وأهلها نهباً للفقر والجهل والتخلف والخراب. اليوم وبعد سنوات من هذا التاريخ يقف من يقول: على أوروبا أن تحمي نفسها من سكان الأدغال!

ففي افتتاح الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية، قال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية جوزيب بوريل: «إن أوروبا حديقة، لقد بنينا حديقة بالفعل، أفضل مزيج من الحرية السياسية والرخاء الاقتصادي والترابط الاجتماعي استطاعت البشرية أن تبنيه، لكن بقية العالم ليس حديقة تماماً، بقية العالم، بل أغلب بقية العالم ليس سوى أدغال، وإن هذه الأدغال تزحف باتجاه أوروبا، ولن تقف أي أسوار نبنيها في وجهها، لذلك على أوروبا أن تزحف باتجاه الأدغال، وليس العكس».

بدت تصريحات الرجل، الذي يفترض به أن يتصف بقدر عالٍ من الكياسة والدبلوماسية، غاية في العنصرية والاستفزاز، وقد استنكرت دولة الإمارات هذه التصريحات واستدعت بشكل عاجل القائم بأعمال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي، مطالبة إياه بتفسير مكتوب لتصريحات بوريل، معتبرة هذه التصريحات «مخيبة للآمال، وتأتي في وقت تدرك فيه جميع الأطراف أهمية احترام الأديان والثقافات والمجموعات العرقية الأخرى، فضلاً عن قيم مثل التعددية والتعايش والتسامح».

Email