القوالب الخاطئة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عند الحديث عن أجيال اليوم من الشباب والمراهقين والأطفال عادة ما يبادر كثيرون من ضيوف البرامج التلفزيونية وأولياء الأمور، الذين يجلسون على المنصات لتقديم المحاضرات والندوات وغيرهم، إلى إجراء المقارنات، المقارنة بين الأجيال الحالية وأجيال الأمس، كما أنهم يميلون غالباً إلى عملية إطلاق الأحكام العامة أو ما يعرف بالقولبة، فيضعون كل جيل في قالب محدد، يضعون له صفات ومميزات تميزه عن غيره!فلماذا هذا الميل للمقارنات والتنميط؟ لأن الصورة النمطية الجاهزة توفر الوقت على المتحدث، كما توفر عليه جهد البحث والاستقصاء، وتسهل بالتالي التعامل مع الآخر، وفق صورته المرسومة له في الدماغ، والتي تكون أحياناً منقولة من آخرين أو متوارثة أيضاً!

من هنا فكثيرون ممن يتحدثون، ويجرون المقارنات يمتلكون ملفات جاهزة في أدمغتهم، يستحضرونها عند الحاجة دون تعب أو إعادة نظر في المستجدات والاختلافات والفروقات الطارئة، من هنا تأتي مثل هذه الأحكام الجماعية: كل جيل اليوم لا يقرأون، وكل جيل اليوم عباقرة في التعامل مع التقنية، كل أجيال الأمس محافظون، وبينهم وبين الآخر جفوة ومسافة حضارية، كل أجيال اليوم لا يحبون العربية وميالون للغات الأجنبية، ومنفصلون عن عاداتهم وهويتهم وهكذا!

إن هذه الأحكام ليست دقيقة في معظمها، وأحياناً ينفيها الواقع، كالصورة النمطية، التي ظلت تتكرر في كل مقال صحفي، وفي كل ندوة ومحاضرة وبرنامج تلفزيوني وبحث وكأنها قرآن منزل عن أن العرب لا يقرأون وإذا قرأوا فإن حصيلة قراءاتهم لا تتعدى ما مقداره ست دقائق في العام، هذا الرقم اللامنطقي واللامعقول لم يتم تمريره على الدماغ وأدوات البحث بالتأكيد، لكنه شكل صورة نمطية، تم تناقلها لسنوات قبل أن يتم التأكد من أنها إحدى خطايا العقل، الذي ينقل دون أن يجتهد أو يبحث!

خطورة وظلم التعميم يكمن عند اعتماده في الإعلام وكأنه حقيقة، وفي الأبحاث وعند اتخاذ القرارات، وعند تصدير الصورة للآخر وللخارج، لذلك فلا حل إلا بتربية العقل الناقد انطلاقاً من التعليم.

Email