أدب حداثي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقرأ بضع كلمات يرصها شخص يسمي نفسه كاتباً، أعد الكلمات بما فيها حروف العطف والجر، فأجدها اثنتي عشرة كلمة فقط لا غير، وفوق الكلمات وضع عنوان (قصة قصيرة!) نقلتها لصديقتي متسائلة: أود أن أعرف أين القصة في هذه العبارة التي لا لون ولا معنى لها؟ أجابت بسخرية: هذا أدب ما بعد الحداثة ربما، ولم أفهم لكنني ذهبت للبحث.

هناك فرق شاسع بين الكتابة الواعية التي ينتجها أصحابها تحت ضغط الحاجة والإرادة والفهم، وبين الكتابة بالتقليد والانتحال. فهناك من يجرب إنتاج أشكال «أدبية» مغايرة لا تمت لمتطلبات ومزاج واقعه بصلة، مستخدماً أسلوب المحاكاة والتقليد للتيارات الأدبية أو الفنية الشائعة في الغرب، ليس لحاجة أو لتحديات وظروف تستدعي ذلك، ولكن لأن هذا البعض مهووس بتقليد الغرب، وليظهر نفسه بمظهر الشخص المنفتح دائماً حتى وإن بالتقليد.

وبعيداً عن الانتحال والتقليد وإنتاج نصوص كثيرة مما يسمى بأدب الحداثة وما بعدها، ما هي حقيقة أدب الحداثة الذي نتحدث عنه؟ تقول المراجع إن أصول الحداثة الأدبية تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حيث سادت أشكال وموضوعات وأساليب حياة وتعبير تعود لمرحلة محددة في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية اتصفت بسيادة أنظمة حياة وعلاقات طبقية على أعلى المستويات، حيث سادت أساليب خطاب وقضايا واهتمامات أدبية تنتمي لطبيعة ومزاج تلك الحقبة.

سيظهر في بدايات القرن العشرين كتاب ومفكرون مجددون، سيثورون على السائد ويدعون للانفصال الواعي عن طرق الكتابة التقليدية في الشعر والقصة والرواية والمقال، والكتابة بأسلوب حديث بعيد عن الديباجات والحساسيات القديمة، فالعالم يتغير والأدب هو الرافعة المؤثرة والمتأثرة بكل جديد، ثم حلت الحرب العالمية الأولى لتعيد تقييم الافتراضات السائدة ولتخلق اهتمامات وتحديات مغايرة عما كان سائداً قبلها، فجاء الأدب ليعبر ويبشر بكل ذلك.

المسألة في جوهرها إذن تتعلق بالسياقات التاريخية والاجتماعية وبالاحتياجات الواقعية التي أفرزت أدب الحداثة في أوروبا وليس مجرد كتابة فارغة تقلد كتابات الآخرين دون وعي!

 

Email