أين اختفت مائدة الغداء؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

نعلم علم اليقين، أن التغيير هو الثابت الأزلي في هذه الحياة، فكل شيء يتغير، نحن أنفسنا نتغير، نكبر، ننضج، نشيخ ثم نهرم، ونغادر هذه الحياة، تتغير أفكارنا وسلوكياتنا، ننظر للحياة في سني المراهقة والشباب بمنظار، ثم ننظر لها في ما بعد بمنظار آخر تماماً، تعجبنا بعض الأمور، وتزعجنا أخرى، فإذا بنا وقد نضجنا، نفعل ما كنا قد انزعجنا منه ذات يوم، بل ونصرّ على التمسك به والدفاع عنه، لذلك يقولون إن الإنسان يتحول بمرور الزمن إلى نسخة أخرى من والديه حين يكبر! ليس بالضرورة أن يطابقهما، لكنه يقترب كثيراً من تلك المنطقة التي كانا يقفان عليها، عندما كانا يتعاملان معه، والتي طالما رفضها، ووجد فيها من المثالب والعيوب، ما جعله رافضاً كبيراً لها، ولكل اشتراطاتها!

أفكر اليوم مع إخوتي وقد كبرنا، وأخذتنا الدروب والمسافات والانشغالات والأصدقاء والأفكار والأبناء، نفكر في الكثير مما كنا نحتج ونغضب منه، ونخاصم أهلنا بسببه، نفكر في تلك السنوات والأوقات، وفي ذلك العمر، ونتساءل، هل كنا مضطرين لكل تلك المعارك الغبية؟ وهل كانت معارك غبية فعلاً، أم أنها المعابر الضرورية، لنعرف ما خلف البوابات المغلقة، وما يؤول إليه العمر، بعد أن يعبر علينا وبنا؟.

اليوم أتساءل: ماذا استفادت الأسرة العربية من كل الخضات والزلازل التي ضربتها؟ من تمرد الصغار، تفكك العلاقات، الفوضى التي أصابت اللقاءات المقدسة التي كان الجميع يلتقون فيها على مائدة الغداء، وتجمعات العشاء، هل يتذكر الناس اليوم، أن معظم سكان المدينة كانوا يلتقون على سفرة الغداء، في الواحدة والنصف ظهراً، أو الثانية تقريباً؟ حين يكون الوالد قد عاد من شغله، والأبناء من مدارسهم، والوالدة في المنزل تعد وتنتظر؟ ما زلت أتذكر طاولة الأكل الكبيرة في بيتنا القديم، ونحن متجمعون حولها، والأحاديث التي كانت تدور: حكايات الجيران، وأبناء العم والخال، ومقالب المدارس، والكثير من الضحك!

Email