أنا لغتي!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أؤمن دائماً بأن للكلمة تأثيراً لا يقاوم، وأن لا شيء يمكن أن يقف أمام القوة الغريبة، التي تكمن في الأدب والشعر والنثر بشكل عام، فاللغة ليست مجرد قاموس من المفردات والأفعال والحروف اخترعها الإنسان ليتواصل بها مع الآخرين، اللغة هي نحن في النهاية، ومن لا لغة له فهو غير موجود على الإطلاق، هذا ليس من باب المبالغة، ولكن من باب توصيف الحقائق لا أكثر.

إن اللغة إنجاز بشري لا سابق له، ولا فائق تقدم عليه أو تباهى عليه، فما من إنجاز إلا واللغة وسيلته وأداته، لذلك فإن أول ما يسعى إليه العدو هو محو لغة البلاد التي يحتلها، ليزرع في أرضها لغته، لكن الأرض تحن لبذرتها الأولى: اللغة.

يقول محمود درويش:

من أنا ؟

هذا سؤال الآخرين ولا جواب له !

أنا لغتي

أنا معلقة، معلقات، عشر.. هذه لغتي، أنا لغتي

أنا ما قالت الكلمات كن.

وإذا كانت اللغة إنجاز الإنسان الأكبر فإن الأدب إنجاز اللغة الأعظم، فالأدب كاللغة تماماً، ليس مجرد وسيلة لتسلية الإنسان، إننا ننتقص من قيمة الأدب وخطورته وخلوده حين نحصره في هذه الزاوية الضيقة، لقد مارس الإنسان إنسانيته بالأدب، أضاف شروطاً أعلى على شرطه البشري، تحرر من ضيق أفقه، ومن عبوديته، وشياطينه، ومن الدكتاتوريات والظلم والجهل، لقد فعل ذلك بالأدب أكثر مما حققه بالحرب والعداوات.

حين ثبت سقراط على موقفه، وتجرع كأس السم كي لا يستسلم لسجانيه، فإنه شق باللغة طريقاً جديداً في تاريخ الإنسانية، وحين أبدع ابن رشد فلسفته، وقاوم ابن حنبل في سجنه، وحين أحرقت كتب جاليليو، وصادر الدكتاتور ستالين حق الشاعر بوريس باسترناك في استلام جائزة نوبل، ومنعه من السفر، وفرض عليه الإقامة الجبرية، فإن ما فضح ستالين ودمويته كان الأدب، وكانت رواية (دكتور زيفاجو) التي هربت وطبعت في ميلانو، وانتشرت ونالت جائزة نوبل. ليس أقوى من الأدب، وليس أغبى من ستالين!

 
Email