اللغة العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في خضم الحديث عن الهوية، وأولئك الذين يدعون بأن اللغة لا تؤثر في طبيعة علاقة الإنسان بتاريخه ودينه وثقافته وذائقته وحسه الجمالي تجاه الأشياء و و… إلخ، تذكرت حادثة سأرويها هنا:منذ مدة، كنت أقف في شرفة مطلة على سهل بديع، يومها كان الجميع ينتظرون المساء وعيونهم شاخصة إلى السماء، بانتظار القمر العملاق حسب ما جاء في نشرات الأخبار، ولاح القمر من خلف الجبال، فبدا عملاقاً بحق، كان قريباً وشديد السطوع، بحيث يقع في قلبك شيء من الرهبة والصمت وأنت تتأمله، فتمتمت أكثر من مرة (سبحان الله، ما هذا الجمال) كان يجلس بجانبي بعض صغار الأسرة، نظرت إليهم أتأمل ردود أفعالهم، لكنني لم أر شيئاً، لا شيء على الإطلاق!

فقلت أخاطبهم بمرح: هل لاحظتم القمر، هل لاحظتم سطوعه ونوره العجيب؟ هل تعرفون أن القمر يصبح بدراً مكتملاً في ليلة الرابع عشر من الشهر القمري، نظر بعضهم إلى بعض، ثم نظرت إليّ كبراهم وقالت: هل بالإمكان أن تترجمي لنا ما قلته بالإنجليزية يا عمتي؟ بأسف ربتُّ على كتفها وأشرت للقمر بأصبعي قائلة: انظري للقمر إنه جميل، ثم غادرتهم وهم يقلبون الأجهزة التي بين أيديهم، ويرطنون بالإنجليزية فيما بينهم!

إن الحال الذي وصلت إليه علاقة جيل كامل من أبنائنا بلغتهم الأم مؤسفة جداً، فهم لا يعرفون التعبير أو الكتابة بها، أو حتى استخدامها في مخاطبات مدرسية بسيطة، يفضلون اللغة الأجنبية، يكونون أكثر تحرراً وانسجاماً في التحدث بها طيلة الوقت، يتخاطبون بها مع بعضهم ومع أصدقائهم العرب، فهل سمعتهم عن أطفال أو مراهقين إنجليز أو فرنسيين أو ألمان يتحدثون بغير لغتهم؟ أجزم أن ذلك من رابع المستحيلات! هذا ليس خطاباً عنصرياً ضد أحد، وليس دعوة لعدم تعلم ودراسة لغات أخرى، فليت أبناءنا يتعلمون مائة لغة إن استطاعوا، شريطة أن تكون الأولوية للغتهم الأم.

صحيح أن اللغة وسيلة تواصل، لكنها أيضاً طريقة تفكير ووسيلة فكر، وممارسة حياة ودين، وانتماء، اللغة أهم وأخطر مما نتصور.

Email