أبجديات

الملكة

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط شلال الأخبار والتغطيات التي انهمرت حول وفاة الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، كان هناك شعور غامر بالتأثر لدى الكثيرين من غير البريطانيين، ممن يحملون تقديراً عالياً للمرأة التي جلست على العرش منذ الزمن الذي كانت فيه بريطانيا إمبراطورية لا تغرب عن أراضيها الشمس وحتى الزمن الذي غربت عنها، المرأة التي عاصرت حربين عالميتين وسقوط إمبراطوريات ونهوض دول وظهور حركات سياسية وفكرية غيرت مسار التاريخ، المرأة التي كانت ثابتة كالصخرة وهي تقود العرش البريطاني في أوقات عصيبة، بلا أية سلطة سياسية ولكن بسطوة الشخصية الرمز، والكاريزما التي لن تتكرر، والأفكار التي لم يعد لها حضور في العلاقات الدولية حالياً.

إن اختيار لقب (سقوط جسر لندن) لعملية الإعلان عن وفاة وإجراءات دفن الملكة لم يأت من فراغ، لقد كانت الملكة جسراً حقيقياً ربط بين البريطانيين بمختلف توجهاتهم وثقافاتهم، حيث كان الآخر المختلف عرقياً ودينياً في فكر الملكة جاراً وصديقاً لا بد من قبوله والتعامل معه باحترام، لذلك فليس من الغريب أن يكون في بريطانيا ما يقارب الـ1500 مسجد لما يقارب 3 ملايين مسلم، وهنا ربما تحضر صورة الملكة وهي ترتدي ثوباً حريرياً طويلاً أبيض اللون، يغطي شعرها وشاح أبيض احتراماً وتبجيلاً أثناء زيارتها لمسجد الشيخ زايد عام 2010 أثناء زيارتها للإمارات، صحيح أن الصورة كانت من موجبات البروتوكول، لكن لطالما تعاملت الملكة مع الأحداث بحكمة وتواضع مشهودين.

في أحد مقاطع الفيديو الكثيرة تقول الملكة (عليكم أن تعلموا أن الخطوات الصغيرة لا القفزات الكبيرة هي ما يصنع التغيير في الحياة) وبالفعل فالأمر ليس من قبيل حكم الكبار المجانية إنها من تجليات التجربة العميقة والحقيقية التي خاضتها الملكة منذ كانت ميكانيكية دبابات في جيش بلادها أثناء الحرب العالمية وحتى اعتلت العرش وبقيت فيه 70 عاماً كاملة لم تُرَ خلالها إلا مبتسمة. سيفتقد البريطانيون بحزن حقيقي تلويحة الملكة بصحبة أفراد أسرتها من شرفة قصر باكينغهام، وسيحزنون كثيراً حين ينظرون إلى عملتهم العتيدة، الجنيه الإنجليزي، وقد رفعت منها صورة الملكة لكن الحزن هو الثمن الذي ندفعه لمن نحبهم كما قالت الملكة.

 

Email