الأشياء التي لم تختفِ!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في حوار أجرته معه مجلّة «باريس ريفيو»، سئل المفكر الإيطالي المعروف أمبرتو إيكو صاحب رواية «اسم الوردة» عن موقفه مما يعلن بين فترة وأخرى حول «موت المؤلف» و«موت الرواية» و«موت الصحف» و.. فكانت إجابته:

.. الاعتقاد بنهاية شيء ما هو حالة ثقافيّة شائعة، هذه الأفكار المضحكة، والتي تمارسها وسائل الإعلام بضراوة متزايدة، مصدر تسلية بالنسبة لي، فكلّ فترة هناك مقال عن نهاية الرواية، ونهاية الأدب، ونهاية المعرفة في أمريكا، وأن النّاس لم يعودوا يقرؤون، والمراهقين يلعبون ألعاب الفيديو!

والحقيقة أنّه في كلّ أنحاء العالم هناك آلاف المتاجر المليئة بالكتب وبالشّباب، لم يحدث أبداً في تاريخ البشريّة أن وجد مثل هذا العدد من الكتب، والأماكن العديدة الّتي تبيعها، والشّباب الّذين يتردّدون على تلك الأماكن ويشترونها.

لنتوقف هنا قليلاً، ونسأل: ما الهدف إذن من هذا الحديث؟ هل هو مجرد ملء الفراغات في الصحف، إنها إحدى ألعاب الصحافة والصحافيين لإثارة قضايا وخلق حالة من الجدل ولفت الانتباه إليهم وإلى صحفهم؟ هل هناك مستفيدون من ذلك يدفعون ببعض الكتاب والصحافيين المتحمسين لإطلاق فرقعات تعمل على خلق جو من الفعاليات والبرامج واللقاءات والمقالات و.. إلخ !!

فمن الواضح جداً أن لا شيء مما بشروا بموته قد مات فعلاً، لا السينما ولا الكتب ولا الإذاعة ولا الرواية ولا الناقد ولا المؤلف، صحيح أن هناك تأثيرات سلبية للاختراعات الحديثة تلقي بظلالها على المخترعات والوسائل القديمة وتأخذ جزءاً من حصتها ومن حيث الاهتمام والجماهير المتابعة، لكن لم يصل الأمر أن تم إعلان نهاية عصر الإذاعة أو اختفاء آخر صحيفة على كوكب الأرض، أو انعدام الروايات وكتابها أو..

إن جماهير القراء الذين لا يزالون مخلصين للصحف، ما زالوا على إخلاصهم، حتى إنه عندما تم تقليص نشر الصحف الورقية فترة «كورونا»، فاختفى بعضها لأيام، ثم بشكل منتظم يومين مطلع كل أسبوع، بدا أن كثيرين قد استاءوا لذلك، وعندما عادت الأمور إلى طبيعتها تنفس الذين افتقدوا الورق والحبر الصعداء!!

Email