وزارة الوحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتذكر تماماً ردود الفعل التي تفاوتت بين الاستغراب والدهشة والسخرية أحياناً، والتي اجتاحت نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي العرب تحديداً وبعض وسائل الإعلام التقليدية في بعض البلدان، عندما أعلنت دولة الإمارات منذ عدة سنوات عن استحداث وزارات جديدة لم يسمع بها المواطن العربي في كل تاريخه: وزارة السعادة وجودة الحياة، وزارة اللامستحيل، وزارة التسامح.

لم يكلف كثير من هؤلاء الانفعاليين أصحاب ردات الفعل غير المحسوبة، أنفسهم عناء البحث والتقصي، وجهد السؤال والتساؤل حول الهدف من وجود تلك الوزارات، وفيما إذا كانت مجرد إضافة إلى هيكل التنظيم الحكومي للدولة أم أنها احتياج فعلي واستجابة واقعية وضرورية لتحديات أفرزتها وتفرزها الحياة في مجتمعات اليوم التي يعاني فيها الإنسان الكثير ويطالب بالكثير ولديه من الاحتياجات ما لم يعرفه آباؤه وأجداده في مجتمعات البساطة والكفاف السابقة.

فهل يعلم هؤلاء مثلاً عن «وزارة الوحدة» التي استحدثتها بريطانيا في العام 2018، بعد أن بدأت الدراسات والإحصاءات الموثقة تتحدث عن أن ما يقدر بنحو نصف البريطانيين الذين تتجاوز أعمارهم 75 عاماً يعيشون بمفردهم في أنحاء بريطانيا، كما حذر تقرير منشور من أن الوحدة والطقس البارد جداً مزيج قاتل يوازي تدخين 15 سيجارة يومياً، لذلك جاء تكليف وزيرة الوحدة بهذا المنصب لمواجهة تحدي الوحدة الممتد عبر أجيال والتي تطال نحو تسعة ملايين شخص في بريطانيا يموت كثيرون منهم في منازلهم دون أن يعلم بهم أحد!

إن فكرة وزارة للسعادة وتحسين شروط الحياة أو جودة الحياة تأتي استجابة لمآزق الحياة المعاصرة، لضغوطات بيئة العمل، ونمط الحياة الاجتماعي ونوعية الغذاء وانتشار الأمراض وغلاء المعيشة بسبب تناقص موارد الطبيعة وتحديات المناخ، وتغير أفكار الناس وأنماط الشخصيات والميل الفردي للحياة الفردية.. الخ، كل هذا يصنع نوعية حياة قد تقل فيها مستويات السعادة والرضا مما يؤثر على الصحة النفسية ومعدلات الإنتاج للفرد، وعليه فوجود مؤسسة تراقب وتحلل وتفكك هذا كله أمر يدعو للفخر والإعجاب لأنه دليل استجابة ذكية للتحديات وليس العكس.

Email