المنبوذون

ت + ت - الحجم الطبيعي

في المجتمعات أو المجموعات البشرية، التي تحتكم لفلسفات دينية أو اقتصادية أو فكرية معينة: يميل البشر فيها إلى الانحياز لبعضهم، وفق علاقات دقيقة، لكنها في معظمها محكومة بالمصالح الشخصية، وبالنظرة الطبقية، والمكانة الاجتماعية للفرد، حيث تشكل الطبقة والثراء في هذا النوع من المجتمعات حماية وحظوة لأصحابها.

تفرز هذه المجتمعات طبقات متباينة: طبقة النخبة المفضلة، التي تملك كل شيء، وتتحكم في كل شيء، بينما يسعى الجميع لنيل رضاها، وطبقة المنبوذين المعدمين، الذين ينظر لهم بكثير من الدونية والاحتقار، لا يملكون ولا يتحكمون، جل أحلامهم أن يحظوا بما يضمن لهم استمرار حياتهم بأمان، وغالباً فإن هاتين الطبقتين لا تتقاطعان، ولا تعرف إحداهما شيئاً عن الأخرى، لأنه لا قواسم مشتركة بينهما، فهل يمكن أن تجمع الحياة بين أحد أفراد النخبة، وأحد المنبوذين ليشكلا صداقة من نوع ما؟

في الفيلم الفرنسي «المنبوذون» يحاول مخرجا الفيلم أن يطرحا قضيتين إنسانيتين هما: الصداقة بين الطبقات، والعنصرية، فقدما تعريفاً مغايراً للمنبوذ وللحالة التي يمكن أن يجد فيها أي شخص نفسه منبوذاً بالرغم من كونه فاحش الثراء أرستقراطياً، ويمتلك كل شيء، فإن كان الفقر يشكل ندبة ظاهرة وضعت الشاب «إدريس» في خانة المنبوذين، الذين لا قيمة لهم، فإن الإعاقة لدى «فيليب» الملياردير الفرنسي والشاعر، الذي يمتلك كل مباهج الحياة شكلت سبباً نفسياً، ليعاني من حياة مملة بلا هدف، حتى إنه كان يخاف الكشف عن إعاقته للمرأة التي يحبها.

لقد أعاد «إدريس» «فيليب» إلى واجهة الحياة، وأنقذه من العزلة، ووضعه وجهاً لوجه مع المرأة، التي ظل يراسلها سراً لشهور طويلة، في الوقت الذي كانت فيه صداقة فيليب بالنسبة لإدريس فرصة للتغيير والانفتاح على الحياة، التي تستحق الكفاح، لقد غير كل منهما حياة الآخر، عبر الصداقة البعيدة عن العنصرية المقيتة، وإلى جانب فيليب فقد أثر إدريس في حياة ابنته المراهقة ذات النظرة العنصرية للآخرين، كما أثر في ابن عمه، الذي كاد ينزلق في هاوية المخدرات.

Email