اغتيال كاتب

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو من باب المأزق الأخلاقي لأي أمة أو جماعة حين يبرر أفرادها القتل أو أية جريمة أخرى، فالقتل قمة الأذى والاعتداء وهو انحياز لأبشع ما يمكن أن يصل إليه الإنسان حين لا يرى في سفكه للدم أي بشاعة أو عمل يندى له جبينه أو يهتز له قلبه، ثم يجد هذا القاتل من يصفق له ويملأ مواقع السوشال ميديا احتفاء بفعلته!

إن حادثة طعن الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي، في نيويورك أول من أمس، قد أثارت ما أثارته في الشرق والغرب، وبغض النظر إن كان يعجبنا ما يكتبه أو لا يعجبنا، فهذه المحاولة التي يقال بأنها تضعه الآن في حالة حرجة، قد فتحت ملف الفتاوى المتطرفة التي تستبيح دماء الكتاب والمفكرين في شرقنا الإسلامي، فلقد صدرت ضد سلمان رشدي فتوى بإراقة دمه من قبل الخميني بعد أن كتب ونشر عام 1988 رواية تحت عنوان (آيات شيطانية) قيل بأنها تتطاول على الرسول عليه الصلاة والسلام، فتم رصد أكثر من ثلاثة ملايين دولار لمن يقتله!

تحيل الفتوى إلى شكل من أشكال التخلف المقيت في التعامل مع الخصوم وتحديداً خصوم الرأي، كما وتمنح حاكماً دينياً مشروعية إصدار هكذا فتوى وكأنه يحكم العالم، ويحق له التحدث باسم ملايين المسلمين وإصدار فتاوى بقتل من يشاء، والفتوى ليست بعيدة عن تلك التي أصدرها المتطرف الإسلامي عمر عبدالرحمن ضد نجيب محفوظ بعد أن أصدر روايته (أولاد حارتنا) باعتبارها تعدياً على الذات الإلهية ومجمل الأديان السماوية.

ولقد تعرض نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال تنفيذاً لتلك الفتوى الجاهلة وطعن في رقبته وقد نجا من الموت وعفا عمن حاولا اغتياله، إلا أن قدرته على الكتابة قد تأثرت كثيراً بسبب الطعنة، والمفارقة أن يطعن سلمان رشدي في عنقه كذلك للأسباب نفسها بعد 34 عاماً من صدور الفتوى.

هذا العقل في تعاطيه مع الرأي المعارض، إلى متى سيظل محكوماً بهذا المنطق الذي يستبيح القتل بسبب رأي أو رواية؟

Email