الهروب أم البقاء؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس كل مكان يسكنه أو يعيش فيه الإنسان يعتبر مكاناً مثالياً أو مريحاً حتى وإن أظهر الإنسان الكثير من التحمل وعدم الشكوى، فقد يعيش الإنسان في منزل يتسبب له في الكثير من الشقاء، وقد يقضي الإنسان طفولته أو جزءاً من مراهقته في مكان يعاني فيه من سوء المعاملة والتنمر، وأحياناً التعذيب، ومع ذلك فليس أمامه سوى البقاء، لأنه لا حل آخر أمامه، فقد يبدو الهروب حلاً غير متاح، وأحياناً تنقص الإنسان الشجاعة لاتخاذ قرار المغادرة، أو تعجزه الإمكانات والظروف، وقد تقف خبرته القليلة، وصغر سنه حائلاً، وقد يمثل الخوف من المجهول سبباً للبقاء.

إذا كان لا بد من المغادرة فغادر، وإذا شكل البقاء خطورة على حياتك فلا تخاطر بها، وإذا كان تغيير المكان سيقود إلى نتائج أفضل، وسيغير من أوضاعك، ويحسن ظروفك وصحتك ونفسيتك، فإن الخروج من ذلك المكان يصبح مطلباً ملحاً، هذه نصائح في مكانها، المشكلة التي قد تعرقل البعض، فتحول بينهم وبين إطلاق سيقانهم للريح، وترك الأمكنة التي تضاعف آلامهم، إن هناك من سيتضرر بقرارهم ذلك، وهنا يصبح الإنسان أمام قرار صعب، ومواجهة أخلاقية بالدرجة الأولى.

كيف يمكن حسم المفاضلة بين مصلحتك، وبين مصلحة آخرين معلقة مصائرهم بك؟ المرأة التي يشكل لها بيت الزوجية عذاباً حقيقياً كيف تتصرف حيال معضلة أطفالها؟ الرجل الذي تشكل له زوجته مأساة وجود، كيف يتصرف حيال مسؤولياته كأب؟ الفتاة التي تعاني الأمرّين، وسط أخوة يسومونها سوء الاستغلال، ويحرمونها أبسط حقوقها؟ الموظف الذي تسيء إليه مؤسسته، وتهضم حقوقه هل يبقى ضماناً لوجود دخل ثابت لأسرته أم ينتصر لكرامته وحقوقه؟

هناك من يقول لك: المكان الذي يؤذيك سيظل يؤذيك دائماً، والحل أن تغادر، وهناك من يثبتك لتبقى، لأن هروبك مما يؤلمك سيؤلمك أكثر، كما يقول جلال الدين الرومي؟

في النهاية الإنسان وحده أعلم بطاقته على الاحتمال والتضحية بعيداً عن كل التنظيرات!

Email