التسوق.. النزعة والحاجة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتحدث الآباء والأمهات مع أصدقاء العمر عن تفاصيل حياتهم في الماضي، وهم إذ يتذكرون حياتهم في تلك الأحياء التقليدية الحميمية، تجدهم يمتلكون ذاكرة قوية، يستعيدون من خلالها التفاصيل مراراً، يتذكرون الحارات، السكك المتربة، البيوت البسيطة، مسجد الحي، شيخ الجامع، مجنون الحارة، سوق السمك، حي الصيادين، الزوارق المرفوعة على رمال الشاطئ بعد جولات صيد فجرية، ويتذكرون الدكاكين.

كلنا، صغاراً وكباراً، لنا ذاكرة مشتركة مع تفاصيل التردد على دكان الحي، والضجيج الذي نثيره عندما نذهب كمجموعة لشراء زجاجة بيبسي مثلاً، حيث يوجد في كل حي دكان أو اثنان، وفي فريجنا كان هناك دكانان نرتادهما باستمرار. كان الدكان في تلك الأيام عبارة عن غرفة صغيرة مليئة بكل شيء، وكان يضم ثلاجة للبارد (الاسم القديم للمشروبات الغازية)، وركناً لخبز الرقاق، كان كمغارة علي بابا، محتوياته من الحلويات والمشروبات الغازية والأطعمة واحتياجات البيوت، وكانت أقصى أمانينا، نحن الصغار، أن نمتلك ريالاً أو نصف ريال لنشتري اللبان والحلاوة والبيبسي، فنستعرضها أمام بعضنا بعضاً بنزق، ثم نتقاسمها برضى ونعود قافلين لبيوتنا.

لم يتحول الدكان إلى سوبرماركت إلا عندما تغير نمط الحياة، وتوحش السوق وسيطرت نظرياته على العالم، فنسي الناس الدكان واندفعوا نحو السوبرماركت، والمول، وفي كل مرحلة يتوحش فيها السوق وتتوحش الرغبات، تتعقد الأسواق وتتمدد، ولا يعود الإنسان يذهب إليها ليشتري حاجياته، بل ليشتري ما يجلب الانتباه إليه، وما يجعله منظوراً للآخرين، ما يكرسه رقماً في القطيع، وأكياساً فاخرة تقول للناس أنا لست أقل منكم، أنا أشتري مثلكم وإن ببطاقات الائتمان، فالصورة أهم، وفيما يلي عندما سنرى الفواتير سنشكو من غلاء الأسعار على مهل.

في تلك الأيام البعيدة لم يكن هناك سلة ولا عربة تسوق، هذه اختراعات نفسية لإعلاء نزعة الشراهة والاستهلاك، في تلك الأيام أنت لا تدخل إلى الداخل.. تأتي تشتري وتغادر، أما الآن فجزء من أهداف التسوق هو أن تتمشى لساعات في السوبرماركت للتخلص من الضغوطات.

Email