خذوا عيني شوفوا بيها

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما أخبرته بأنني أقضي إجازتي الصيفية كل عام في هذه القرية النمساوية بصحبة عائلتي، ومنذ أكثر من 15 عاماً، أصابته الدهشة، نظر إليَّ وعلى فمه شيء من السخرية، بينما ترسل عيناه تساؤلات عدة، فما الذي يوجد في هذه القرية الصغيرة المحدودة ليسعى لها إنسان من آخر الدنيا كل عام؟

يبدو التساؤل فضولياً أو استعلائياً شبيهاً بأسئلة شخصية تحاكم ذائقتك، وتطالبك بتقديم كشف حساب حول أسباب خياراتك: لماذا تزوجت هذه المرأة التي لا تمتلك أي جاذبية وسحر يبرر اختيارها؟ ولماذا أحب ذاك الشاب الوسيم هذه الفتاة عديمة الجمال؟ ولماذا صادق فلان هذا الشخص غريب الأطوار؟ لماذا يسافر دائماً إلى…؟ وغيرها من الأسئلة التي تتغلغل إلى جذر نظرتك الخاصة وفلسفتك وتقييمك للأشياء، وكأنه يتوجب على أحدنا أن يحب ويتزوج ويسافر ويصادق ويقبل ويرفض بحسب معايير الآخرين!

إنها فرصة ليدسَّ الآخرون أنوفهم في حياتنا من منطلق التبسط والمعزَّة، لكن حين يرتفع سقف التبسط ليصل إلى دعوتك للتخلي عنها، وافتعال خصومات لا مبرر لها، سوى أنك اخترت ما لا يتسق مع ذوقهم، فإن عليك أن تتولى إدارة الأمر بطريقة حاسمة.

ولطالما تركت هذه الحالة خلافات ومشاحنات تصل أحياناً لحد القطيعة! نعم القطيعة، ليس لأنك اخترت منطقة معينة كمصيف دائم بطبيعة الحال، ولكن في ما يخص خيارات مصيرية ليس لديك استعداد لمناقشتها، تذكرت سؤال الرجل الألماني، الذي استعنت على إجابته بأغنية التونسي الهادي الجويني الشهيرة التي يقول مطلعها:

لاموني اللي غاروا مني وقالولي أش عجبك فيها

جاوبت اللي جهلوا فني خدوا عيني شوفوا بيها

على سبيل الدعابة أولاً، ولأن كل تعلق أو إعجاب مرده إلى هوى النفس وعشق العين، قلت له: تأمل ما حولك، تجد طبيعة قلما تتوافر تفاصيلها في مكان واحد، اللون الأخضر المنسكب بحفاوة وبذخ، البحيرات والجبال الخضراء وخلفها جبال مكللة بالثلج في عز الصيف، أناسها طيبون، مناخها لطيف ونظيف، فضاءاتها واسعة، مناظرها لا تكسر العين، بل تدفعها للتأمل أكثر.

 

Email