حياة تشبه الخيال

ت + ت - الحجم الطبيعي

للحظة أحسست بأن الزمن عاد بي سنوات طويلة إلى الوراء، كانت الصور والأصوات والأشخاص والسنوات، التي مضت تتوالى أمام ناظريّ كأن فيلماً سينمائياً يعرض لي، فيلماً بالأبيض والأسود، وفجأة تلون الفيلم وصار حقيقياً، عندما نزلت من السفينة السياحية، التي كانت تطوف بنا واحدة من أجمل بحيرات أوروبا، وأقدمها من حيث سكنى الإنسان، فقد قطن البشر ضفافها منذ 4500 عام، وفيها واحدة من كنائس الإصلاح القديمة، حيث يقارب عمرها 500 سنة.

عندما كنت على ظهر السفينة كانت السيدة التي تجلس إلى جواري تحدث جارتها بالإنجليزية، تحكي لها كيف أنها تأتي من مدينة عربية بعيدة، لينعم أبناؤها بحياة طبيعية، طوال فترة إجازتهم المدرسية، يلعبون مع الحيوانات، يتعرفون إلى تفاصيل الطبيعة، يعون نعمة الجمال، واللون الأخضر، وتبدل الفصول، يفرحون بالمطر، يركضون على عشب الحديقة في الفضاء الخارجي دون خوف، يتمرجحون ويتعاركون مع الأطفال في مثل سنهم، يسبحون في البحيرة، ويساعدونها على العناية بالشقة وتنظيفها، بعيداً عن الكسل والتواكل والأجهزة والألعاب الإلكترونية، فذكرني حديثها بحديث المرأة، التي قادت بي السيارة من المطار إلى حيث أقيم منذ يومين، لقد حدثتني حول الموضوع نفسه، بل وبحذافيره.

عندما توقفت بنا السفينة، هبطنا جميعنا، وظل حديث المرأة يرن في عقلي، اخترنا مكاناً بديعاً يقع في الفناء الخلفي لكنيسة القرية، جلست وأمامي سلسلة الجبال والبحيرة، وقد هدأت مياهها، وسرت نسائم عليلة من جهتها لامست وجوهنا برقة، أدرت بصري، فإذا صغار يتمرجحون، ويتعاركون أيهم يركب أولاً، الأصغر منهم كانوا يركضون هرباً من أيادي والديهم، العصافير تتجمع عند أقدام امرأة عجوز، تقذف لها بفتات الخبز، بينما رجل وابنه يسبحان في البحيرة مستمتعين بطقس أشبه بالخيال!

 

Email