عيدكم أجمل بكم

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أجيد الكتابات المناسباتية، أفضّل أن أنسحب على أن أكتب كلاماً كليشيهياً مقولباً وجاهزاً وفارغاً من الإحساس، فمن وجهة نظري، الكتابة على طريقة مسايرة المناسبة ومسايرة الناس لا تشبه شيئاً ولا يجد الناس فيها ضالتهم، لكن لا بأس أن تحيلنا المناسبة كهذا العيد الذي يتوجب فيه علينا أن نهنئ بعضنا، ونقبل أحبتنا ونبسط أيدينا بالمحبة والترحاب و«العيدية» للصغار الذين هم نسخة منا عندما كنا في مثل أعمارهم، يوم كنا لا نرى في العيد سوى تلك التفاصيل التي وإن توارت، وإن بهتت، أو فقدت حرارتها وألقها وسطوتها، إلا أن وميضاً ما يزال يلتمع تحت رماد الأيام.

فيما مضى من عمر، يوم لم يكن يخطر ببالنا شيء مما نراه ونعيشه اليوم، يوم كنا والسذاجة والبراءة صوراً متشابهة، لم يكن العيد إلا ثياباً وعيدية وأصواتاً تفتتح النهار مع خيوط الفجر الأولى لتملأ البيت بالهمهمات والأصوات والاستعدادات، أبي ينهض باكراً جداً، يدخل ليستحم ويرتدي ثيابه الجديدة وكذلك يفعل جدي وجدتي، والدتي تعد إفطاراً خفيفاً، وتجهز المبخر لتبخر أبي والبقية كلهم يستعدون للذهاب للمصلى، بينما إخوتي وأنا ننهض الواحد تلو الآخر متلهفين لارتداء الثياب الجديدة.

بينما مآذن الحي ترتفع أصواتها بالتكبير والتهليل وتتعالى الأصوات شيئاً فشيئاً، وكذلك روائح البخور والعطور، صوت جدي، جدتي، أبي، أمي، إخوتي، تفوح روائح الثياب الجديدة وعلب الأحذية، وبعدها مع ارتفاع الشمس تهل أصوات الرفاق يهلون من فضاء الخارج إلى بهو الفناء، يضيئون بالجديد وسؤال يتوارى في عيونهم عن العيدية؟

اليوم أكتب، وأنا أتخيل قارئاً يقرأ كلماتي وحيداً مع فنجان قهوته، يتذكر أحباباً وأماً وأباً وإخوة غدوا بعيدين جداً، فلم يعد للعيد معنى عنده، وأتخيل صغاراً في مخيم بائس، وكباراً يفاجئهم رصاص وقنابل وغزو لا يعرف عيداً ولا أفراحاً، وأتساءل على طريقة درويش: ألا يخاف الغزاة من الذكريات؟

في العيد أفراح ومسرات ولقاءات، لا بدّ أن نتشاركها: لكم جميعاً أجمل التهاني وكل عيد وأيام أجمل بكم وبمن تحبون.

Email