الخطاب الإعلامي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما شهدته الساحة الإعلامية في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، التي أعقبت مقتل طالبة جامعة المنصورة على يد طالب معها في الجامعة ذاتها، ضمن سياق له ملابساته التي تطرق لها الجميع، يفتح الباب واسعاً أمام مناقشة شكل ولغة الخطاب الإعلامي العربي (الديني والاجتماعي/‏ الشعبي والنخبوي)، والحقيقة أن هذا الموضوع كان ولما يزل محل تجاذبات ونقاشات مستمرة بين أفراد المجتمع، والنخب المثقفة.

فعلى الرغم من كون هذا الخطاب يمس حياة ومصالح الجماهير مباشرة، كما يشكل وجدانهم وطبيعة الرأي العام المنتشر بينهم في مختلف القضايا والتوجهات، والتي قد تأخذ مناحي خطيرة بسبب الشحن، الذي تمارسه تيارات وشخصيات بعينها، وتحديداً في مواقف لا زالت محل خلاف منذ عقود (كالموقف من التمييز الديني والمذهبي/‏‏ الموقف من الاجتهاد /‏ من التراث /‏ من المرأة..) إلخ.

إلا أن تطوير هذا الخطاب باتجاه العقلانية والموضوعية لا يزال دون المستوى لغة ومضامين وأفكاراً، فلم يطرأ على الخطاب الإعلامي (الديني والاجتماعي تحديداً) في العديد من الدول العربية ذلك التحول أو التطور المرضي، الذي يناسب الاحتياجات والتحديات والتحولات الراهنة في المجتمعات العربية، وما واجهته وتواجهه من أزمات ومآزق ثقافية واجتماعية ومعيشية، لا زالت السيطرة في تلك الدول لبعض الرموز والشخصيات ذات التوجهات والأساليب المتطرفة والمستفزة، يقابلها جماهير من الغوغاء على السوشيال ميديا مستعدة للإفتاء في كل مجال! ما يقود لمشاحنات وبلبلة مجتمعية، وانقسامات جميعنا في غنى عنها.

إن الخطاب الإعلامي صناعة ثقافية من المفترض أن يتأسس على لغة متزنة ومتوازنة ومعلومات وتوضيحات ضرورية، ومضمون ثقافي يحتاجه الناس، وتتعاون على نشره وسائل متعددة، ويتجلى في البرامج الموجهة مباشرة للناس، وكذلك من خلال الرسائل، التي تتدفق عبر وسائط فائقة السرعة وشديدة الأثر، تماماً كما حدث منذ يومين في مصر، بحيث أطلق أحدهم تصريحاً أثار حفيظة المجتمع المصري واستفزه تماماً، وبدا واضحاً عدم قدرة بعض المتصدرين للخطاب الإعلامي على التمييز بين الرسالة والتوقيت المناسب لإطلاقها، فلكل مضمون لغته وطريقته وتوقيته، أما أن نفجر قنابل صاعقة بلا تفكير وحسابات دقيقة فهذا خلل في الخطاب سيدفع الجميع ثمنه بلا شك!

Email