الجيران.. أين هم؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجيران فاكهة الحياة، إذا كانوا جيراناً طيبين، يصلون جيرانهم، يحفظون حق الجيرة، ليسوا مصدر إزعاج أو تطفل أو أذى، أولئك الذين يفتقدونك إذا غبت، ويتصلون للسؤال عنك إذا لم يلمحوا سيارتك تمر أمام منازل الحي وأنت في طريقك إلى العمل صباحاً، أو إذا لم تشعل أضواء سور منزلك قبل أذان المغرب، أو إذا لم تحمل لهم الفتاة التي تعمل عندك طبق طعام طهوته خصيصاً لهم.

لكنهم ليسوا كذلك أبداً حين يكونون خلاف ذلك، أولئك الجيران الذين تعرف أنهم يسكنون في البيت أو الشقة المقابلة لشقتك، لكنك لا تعرف من هم على وجه التحديد، لا تعرف أسماءهم، لأنهم لم يسألوا عنك يوماً، ولقد زرتهم مرة للتعارف، فبدا أنهم لا يريدون لهذه الزيارة أن تتكرر، ثم أنك لا تراهم عادة، لا حين يخرجون إلى وظائفهم مبكراً، ولا حين يعودون مساءً، كما أنك لا تسمع سوى صراخ أطفالهم، الذين يطرقون بابك في الظهيرة ليسألوا عن كرتهم التي وقعت في فناء دارك، أو قطهم الذي هرب وربما التجأ إلى بيتك.

هذا هو واقع الجيرة والجيران في الكثير من أحيائنا السكنية، فالعلاقات التي تسود حالياً بين الجيران تعتمد نمطاً وعلاقات لم يعتدها مجتمعنا، ولا أهلنا، لذلك فهم دائمو الشكوى من تقطع أواصر العلاقات بين الجيران، لكنك تفهم أن تحولات الحياة في مدن الحداثة قد قلبت كل شيء، وغيرت تركيبة العلاقات بين الناس، وتحديداً علاقات الجيرة والصداقة.

لم نعد نرى امرأة تمشي من بيتها لبيت جارتها سعياً للتواصل والثرثرة وكسر الملل، وبحثاً عن ألفة التواصل، فإذا حدث وشاهدت واحدة تمشي بين الأحياء فلا بد أن تكون سيدة كبيرة السن ما زالت تعتقد أن للجار حقاً، وأن الزيارة ضرورة اجتماعية، وأنها الحصانة النفسية الأولى ضد أمراض الوحدة والاكتئاب والعزلة في البيوت الشاهقة، لم يعد أطفال الجيران يقضون أغلب الوقت في بيت جيرانهم، وأحياناً ينامون عندهم، لأن الحياة تغيرت، هذا هو المبرر، لكن هل هو مبرر حقيقي ومقبول اجتماعياً؟

Email