تفاصيل غيرت وغيرتنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

في حياتنا كجيل ينتمي إلى مرحلة البدايات: بداية الدولة، ومشاريع التنمية، والتطور، والتعليم، وإرهاصات التحولات والتغيير، الكثير من الأشياء والأحداث والمحطات التي لم يكن أهلنا فيما سبق قد عرفوها، أو دخلت في تفاصيل حياتهم اليومية أو الاعتيادية، أشياء تتعلق بالطعام، بالملابس، بالترفيه، باللعب، بالإعلام، بالمدرسة، بالعلاقات الثنائية والجماعية، بالتلفزيون، وبأشياء كثيرة جداً عندما دخلت إلى حياتنا، شكلت مفاصل حاسمة غيرت البلد والمجتمع وغيرتنا !

ليس في هذا أي إشارة إلى تصنيف أو توجه أو مشاعر صوب هذه التفاصيل، فهي أمور عادية وطبيعية جداً، وقد عرفتها كل المجتمعات بشكل أو بآخر، وإنما يأتي رصدنا لها كنوع من التأريخ الاجتماعي لحياتنا في فترة نهاية السبعينيات ومفتتح الثمانينيات، فكما يكتب المختصون وأساتذة التاريخ وعلم الاجتماع تاريخ تطور البلدان والمجتمعات بأدوات البحث والرصد والمناهج العلمية، تشكل الذاكرة العامة لجيل معين تاريخاً حقيقياً وموازياً كذلك يمكن الاعتماد عليه والاعتداد به في حالة أردنا أن نرصد حالة أو مرحلة التحولات في حقبة ما من خلال ذاكرة مجموعة من الأفراد !

بالنسبة لجيلنا، كان التلفزيون والمجلات الفنية وغير الفنية من أكثر الأدوات التي عملت على تشكيل جزء من ثقافة وتوجهات وذائقة جيل كامل في تلك السنوات، التي كان فيها التلفاز جهازاً نادراً قلما يتواجد في كل المنازل، بعكس جهاز الراديو مثلاً، لذلك كان نمط المشاهدة الجماعية هو الأكثر شيوعاً في الحي الذي كنت أسكنه، فكنا كأطفال لم ندخل المدرسة بعد، نجتمع في أحد المنازل التي تمتلك هذا الصندوق السحري لنشاهد حلقات لوريل وهاردي المتحركة وتوم اند جيري.. وغيرها، ربع ساعة فقط لا أكثر ولا أقل !

بينما كان الراديو الضخم ذو الأزرار المصفوفة بعناية، يتصدر غرفة الوالدين، وفي تلك الأيام التقطت أسماع النساء والرجال خطب الزعيم العربي جمال عبدالناصر بصوته الآسر، الذي لم ينافسه سوى صوت السيدة أم كلثوم التي ظلت أغنياتها تنطلق من إذاعة دبي حتى سنوات التسعينيات وبشكل يومي منتصف الظهيرة.

Email