من منا لا يحلم بجزيرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما كنا صغاراً، وكنا نمعن في الشقاوة وعدم الانصياع لما تطلبه منا – أخوتي وأنا – كنت دائماً ما أسمع والدتي تتمتم أمنية بدت لي في ذلك العمر غير مفهومة، كانت تقول «أين لي بجزيرة بعيدة، ليس فيها بشر، ألقي بتعبي فيها، وأضع رأسي تحت أشجارها وأرتاح من كل هذه الهموم»؟!

وفي مقدمة ترجمة لرواية «جزيرة اليوم السابق» يكتب د. أحمد الصمعي ما يلي «من منا لم يحلم يوماً بجزيرة نائية، واقعة في أطراف الدنيا، نائمة بين زرقة السماء ولازورد البحر؟ أين مني جزيرة نائية لم تطأها قدم؟ كما يقول أحد أبطال نجيب محفوظ» في رواية السراب.

كل منا يبحث عن جزيرته، وكل منا يريدها ويتصورها حسب الآمال التي يجري وراءها، دون أن يفوز بها، وجميعنا يقضي كامل العمر في البحث عن جزيرته دون بلوغها، وكثيرون تقف مراكبهم أمام الجزيرة المأمولة دون القدرة على النزول إليها، فتمر بهم الأيام بين الحسرة على الأمس وحيرة اليوم، والرجاء في الغد!

في زحام الحياة اليومية الضاغطة، نفكر في الجزيرة النائية الهادئة، لأن الهدوء صار أمنية، وفي حالات الحزن نفكر في الجزيرة نفسها، وفي الفرح والعشق الرومانسي، فلم تعد العواصم الكبيرة، الجميلة، التاريخية ترضي نزعة العزلة والتوق نحو الهدوء وتنقية أجسادنا وأرواحنا من لوثات الضجيج، والألم والخيبات، من هنا تلوح الجزر في البال مباشرة عند التفكير في قضاء إجازة قصيرة أو حتى طويلة، فمن ذا يرفض الجلوس عند حافة الدنيا مراقباً لا نهائية البحر وشساعة الجمال المتأرجح بين حضرة الجبال وصفاء الخلجان والشواطئ، وعذرية الأرض؟!

وبما أن العالم كله يضج بالشكوى من التلوث، وتداعيات ثقب الأوزون، والاحتباس الحراري للأرض، وفوضى المناخ وتأثيرات الضجيج والزحام.. فإذن ستنشط بلا أدنى شك سياحة الجزر، وستكتظ هذه بالبشر، الذين سيحملون أوبئتهم وما هربوا منه إلى تلك الأراضي – الحلم، وعندها ربما فتشنا عن كواكب ومجرات بعيدة نفر إليها هرباً من الجزر!

لا شيء يصنع العذاب والتعاسة والأسى وأمراض الحياة سوى الإنسان، بجشعه تارة، وجهله تارة، وعدم تبصره وافتقاده نهائياً لحكمة الحياة، وبغبائه الشديد في أغلب الأحيان.

Email