زبائن أم مشاهدون؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

طرح أحدهم سؤالاً بدا لي لافتاً وصادماً بقدر مسحة السخرية التي تغلفه، يقول صاحب السؤال: إذا كانت الاستطلاعات في عالمنا العربي تؤكد أن ما نسبته 54 % من سكان الوطن العربي لا يشاهدون برامج التلفزيون، فما هو أساس النسب المليونية التي تعطيها شركات التقييم والمتابعة التي تقدم خدمة تقييم المحتوى للمؤسسات الإعلامية أو ما يعرف بـ (الريتنج)؟

فإذا علمنا أن النسبة التي يقال إنها لا تتابع برامج المحطات التلفزيونية بما فيها المسلسلات وبرامج التوك شو والمنوعات وغيرها، تشمل الأشخاص البالغين الذين عادة ما ينصب اهتمام جميع المحطات على استهدافهم كوسيلة استدراج لمشاهدة الإعلانات التجارية ضمن المحتوى المقدم، فأين الخطأ إذن؟

هل هناك خطأ فيما يقال حول تراجع نسب المشاهدة في العالم العربي كجزء من ظاهرة تجتاح العالم كله، وتتمثل في هجر التلفزيون لصالح الهواتف الذكية ومواقع التواصل، أم أن هناك تلاعباً من قبل الشركات التي تقوم بما يسمى بعمليات تقييم المحتوى، وأن هذه النسب العالية والمغرية التي تمنح كعلامات تفوق لبعض المسلسلات والمحطات هي مجرد تلاعب بالأرقام مدفوع ثمنه سلفاً لرفع أسهم محطات وممثلين معينين وفنانين بعينهم ومذيعين ومذيعات؟

وما دام الأمر في إطار التجارة فالسؤال الأهم هو: من يخدم الآخر ضمن هذه الأطراف الثلاثة: القناة وبرامجها، المشاهد والإعلان الذي يمثل الشركات الكبرى؟ وهل نتصور أن يتم إنتاج كل هذه الأعمال الفنية، ومن ثم يتم بيعها للمحطات التلفزيونية التي تتكبد الملايين لشرائها، دون أن يكون هناك من يشاهدها فعلاً؟ أو أن يشاهدها عدد بسيط من الناس؟ إن هناك أمراً يغيب عن أذهان الكثيرين، وهو أن المشاهدة لم تعد حكراً على التلفزيونات فقط، فالناس تشاهد عبر المنصات المدفوعة الثمن، وعبر اليوتيوب وغيرها. إننا كمشاهدين، لسنا في نهاية الأمر سوى زبائن لخدمات وكالات الإعلانات التي تخدم بدورها المنتجات والعلامات التجارية التي تشترى أزمنة بث إعلاناتها بأسعار فلكية ضمن هذه المسلسلات والبرامج، لنكون في النهاية زبائن سوق لا مشاهدي أعمال فنية.

Email