صديقك: هل تعرفه؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين كنا نقرأ أو يقال لنا تلك الحكم والأمثال عن حقيقة الناس الذين نتعامل معهم، وعن ضرورة سبر أغوارهم، ومحاولة اكتشاف حقيقتهم قبل رفع سقف التوقعات منهم، كنا نبتسم أحياناً، ولا نبالي أحياناً، وأحياناً كنا لا نصدق ما كان الكبار ينصحوننا به، أو ما كنا نقرؤه في الأدبيات التي نعثر عليها، كنا نعتد بآرائنا التي نكونها عن الآخرين، ونصدق انطباعاتنا كثيراً حتى تأتي اللحظة التي نقول فيها «لقد صدمت في فلان»، أو «اتضح أنني لم أكن أعرفه فعلاً»، ولحظتها يكون زمن طويل من الخيبات والصدمات قد عبر فوق جسد الصداقات والعلاقات!

تخبرك التجارب التي صارت خلفك الآن، أن الإنسان الحقيقي لا تعرفه عن بعد، ولا تدلك عليه ابتساماته ومرحه وكثرة ضحكاته، ولا ماركة ملابسه الفاخرة، ولا عنوان بيته في ذلك الحي الراقي، ولأكن أكثر صراحة فأسرّ لك أنه حتى العشرة الطويلة والأحاديث التي لا تنقطع لا تظهر كل الحقيقة، هناك جزء خفي في كل إنسان، وهذا أمر طبيعي لا يكشفه هو، ولا يمكن للآخرين كشفه أحياناً، وربما يكون هذا مما يشترك فيه كل البشر، ولكن يمتلك البعض تلك القدرة على الحياة والتحرك والتعامل بأقنعة محكمة، يجيدون بها تقديم أنفسهم بشكل ما، حتى تأتي تلك اللحظة التي يضعونها على الطاولة جانباً، ويتحدثون إليك بدون أقنعة، ولحظتها تكون الصدمة!

تأخذ الصدمة في داخلك مسارين: صدمتك في الشخص أو الصديق الذي اكتشفت فجأة أنه ليس هو الذي كنت تعتقد أو تتصور، وحيرتك أمام سيل الأسئلة: إذن من كان ذلك الذي كان يصحبني كل ذلك العمر؟ أين اختفى؟ هل كان موجوداً بالفعل، أم أنه كان شخصاً من اختراعي ونسج خيالاتي؟ لماذا كنت أراه بشكل مختلف؟ هل كان يمثل، يكذب؟ أم كنت أنا المغفل الكبير؟

وتظل تندلق تلك الأسئلة في دماغك دون أن تملك إيقافها لأيام، وأنت بين مكذب ومصدق، ثم تقرّ لنفسك في النهاية بحقيقة لا بد منها، هي أننا نعيش زمناً طويلاً في ظل وهم العلاقات والصداقات للأسف!

Email