الروائي المُخلص

ت + ت - الحجم الطبيعي

وأنا أقرأ رواية «دلشاد» البديعة حقاً، للعمانية بشرى خلفان، إحدى روايات القائمة القصيرة للبوكر العربية، توقفت عند معنيين أو مهارتين عظيمتين يمارسهما كاتب النص خدمة لنفسه ونصه وقرائه: الإخلاص للنص، والاقتصاد في استخدام التقنيات والأدوات، وكلاهما في غاية الأهمية، ولهما من الأثر والتأثير ما يخلد النص ويعمل على إنجاحه فعلاً.

يكتب الروائي نصه خلاصاً من سؤال أو فكرة أو سر يطن في رأسه كسرب نحل، وهو يعرف أن لا خلاص من ذلك الطنين المدوي والمنهك سوى بكتابته نصاً، فالرواية مثلاً، بمعنى من المعاني هي إجابة وحالة خلاص لكاتبها، بقدر ما هي علاج واستشفاء لا يخيب.

وبالتأكيد فإن لكل كاتب تقنياته وأدواته في العثور على الطريقة المثلى للعبور وللوصول، وبالتالي لمساعدة القارئ على السير معه والوصول إلى إجاباته من خلال النص، فأسئلة القارئ قد تختلف عن أسئلة الكاتب، لكن طريق العبور يمكن أن يكون واحداً، وهنا يظهر الإخلاص عند الكاتب، فهو إذ يقدم نصه، يستل الخيط من بين خيوط كثيرة لا نهاية لها، ويظل ينسج حكايته بصبر بدوية وحيدة في الصحراء تغزل نسيج التجذر، ومعطف الدفء للوصول لروح المعنى، لا تنقضه ولا تتردد في المضي به ومعه صباحاً ومساءً، كما لا تتباهى به أكثر مما يقتضي الأمر، ولا تدخل عليه من الصنعة والتصنع ما يجعله واضح التكلف حد النفور.

الإخلاص والاقتصاد لا علاقة لهما بعدد الكلمات والصفحات وعدد الشخوص وتعدد الأمكنة، فهذه من خصوصيات وأسرار الصنعة لا يتدخل فيها أحد حتى يستوي الغرس، فيما بعد ليقل الجميع ما يشاءون، فقد أصبح الغرس ملك الجميع، وأما الإخلاص فهو ما سيبقي النص غير مبتور في أية لحظة، وطازجاً لا يدفع قارئه لهجره حتى التمام، ومبهراً؛ لا تباهٍ مغرق في التجريب، ولا استعراض سخيف للغة، ولا لعب طفولي مبتذل بالحكاية.

الكاتب المخلص هو من يتعامل مع نصه وقارئه بحرص واضح، وإخلاص لا يحيد عنه أبداً، ونضج يرى في كل التفاصيل.. شكراً على كل هذه المتعة بشرى خلفان.

Email