في الوفاء والنسيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحياة قصيرة جداً، ومع ذلك، فإن تكلفتها باهظة، وفواتيرها لا تنتهي، أنت تعرف هذه الحقيقة جيداً، كما تعرف لون جلدك، والخطوط العميقة في باطن كفك، لكنك تنسى، تنسى كأي إنسان ينسى ليعيش، وينسى ليستمر، ينسى كأنه قُدَّ من نسيان وغفلة، لكن أكان بإمكاننا أن نحتمل قساوات الحياة، لولا هذه النعمة!

نحن ننتبه عندما تقترب منا الحقيقة، نفتح أعيننا، كأننا نكتشفها للمرة الأولى، كأنها ما مرت بنا، وكأننا لم نتوقعها، ولم نحكِ فيها منذ يومين، إلا نسمع يومياً أخبار القتلى في المعارك، والموتى على قارعة الطرقات، ألم يقل لنا أحدهم منذ يومين، إن قريبه توفي بـ «كورونا»، ووالدته بالشيخوخة، وابن صديقه في حادث مؤسف؟ إذن، لماذا حين نقل إلينا خبر وفاة صديقنا، بهتنا وصدمنا، وتجمدت حركة الأشياء من حولنا؟.

ألأننا نظن أو نرغب في ألا يموت أحبتنا؟ ألأننا نستكثرهم على الرحيل؟ أم لأننا عقدنا معهم مواعيد، وخططنا الكثير من اللقاءات والزيارات، ولم نوفِ بأي منها، وحين بوغتنا بأنهم تسربوا من مسامات الحياة في غفلة منا، نبتت في داخلنا غابات من الندم والحسرة والنكران، كأننا نعترف بخذلاننا لهم، أو كأننا نصرح: ما زال بيننا خيط لم ينقطع، لا تزال بيننا أوقات لم نعشها!

إن البشر الذين يمرون بنا كثيرون، يدخلون حياتنا، ويخرجون منها لأسباب كثيرة، هكذا فجأة يدخلون، ثم يخرجون بالبساطة نفسها، لكن هناك من يدخل ليبقى وتداً في حياتنا، وعموداً في خيمة الحياة، لكننا مع ذلك، نتعلم أن نحبهم في حضورهم، وفي الغياب، كما نتعلم أن نعتاد، وأن نصير أقوى وأكثر تقبلاً لما يجري لنا بالحياة..

نقع في الحزن، لكننا نعود لنمتلئ بالفرح والضحك، ليس نسياناً ولا قلة وفاء، لكن علينا أن نمضي للأمام، فالحياة تمضي، ولا تتوقف لأي سبب.

Email