لماذا نبرر الحرب؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تنهمك الفضائيات الإخبارية في تغطية ومتابعة دقائق الحرب الروسية على أوكرانيا، بطريقة تبدو للناظر إليها من الخارج وكأنها لا إنسانية أبداً، حيث يظهر المذيعون والمذيعات وهم في تمام أناقتهم وحيويتهم ونشاطهم وهم يجرون اللقاءات ويطاردون المراسلين والمراسلات في أرجاء الأرض، بحثاً عن سبب أو أسباب للحرب، عن مبررات، عن مخزون الترسانة الروسية، عن أنواع الأسلحة الفتاكة، عن دخول الأسلحة البيولوجية على خط الحرب، عن معامل ومختبرات الفيروسات والأمراض على جبهة الأزمة، ثم ماذا؟ ما الذي تقدمه هذه الفضائيات سوى الذعر والمخاوف والكوابيس؟

صارت الإنسانية تبحث عن أسباب لتبرير الكارثة، عن مبررات لجعل الحرب مقبولة، عن دوافع تحول بوتين إلى بطل قومي لشعوب الأرض، عن خروقات وثغرات تجعل من فلوديمير زيلينسكي رمزاً للسخرية والتواطؤ والفساد، ومن ذا يهتم بهم، إن العالم يتجه نحو الهاوية، ماذا عن الأطفال، الرضع، الشيوخ والنساء الكبيرات اللواتي يعانين من الشيخوخة وأمراضها، والبرد وشياطينه، ماذا عن النساء الحوامل، ماذا عن المعاقين والعالقين على الحدود وفي مناطق النيران والموت المعلق على حواف النوافذ وقضبان السكك الحديدية وأسلاك الكهرباء؟ ماذا عن الفتيات وأحلامهن، والشباب ومستقبلهم؟

ماذا عن الناس البسطاء جداً، والذين لا يريدون لا شياطين ولا قديسين، لا تقديس بوتين ولا أبلسة زيلنيسكي؟ من يلتفت إليهم ويفكر بهم؟ وبأنهم بالكاد تمكنوا من تجاوز أحد أبشع أنفاق الحياة ظلمة: نفق كورونا؟ لقد تحولوا سريعاً إلى مادة إخبارية يعاد إنتاجها كل نشرة بشكل مختلف: فمرة لاجئون، ومرة هاربون من الجحيم، ومرة عائدون يفضلون الموت في ديارهم، ومرة عالقون، ومرة يرفضهم نائب متطرف في إسبانيا لأنهم مسلمون، وتارة لأنهم سيشكلون عبئاً على الاقتصاد!

الحرب، هذا الاختراع البشري البشع، متى سيتم القضاء عليه؟ لماذا علينا أن نعايش ونتابع البشاعات طيلة حياتنا وكأن الحرب قدرنا، فإن لم نفعل اتهمنا في جذر إنسانيتنا؟

Email