أوهام كبيرة جداً !

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلنا وليس أحدنا أو بعضنا، يشعر بهذه التحولات التي أصابت جذر المفاهيم وعصب السلوكيات المعتادة التي كانت جزءاً حياتياً وعادياً في معظم أيامنا وكل حياتنا، نحن الذين يحلو لنا أن نصف أنفسنا بأبناء الوقت المبارك، فقدنا تلك البركة، نفتش عنها، نتلفت يميناً ويساراً كذلك الطفل الذي فوجئ بظله فصرخ خائفاً، نحن اليوم كمن فوجئ بتفلت: العمر، العادات الطيبة، الأصحاب الأوفياء، دفء العلاقات... ذلك كله، أو لنقل الجزء الأكبر من هذه الحالة الرومانسية، ذهبت إلى غير رجعة، ما عادت تتسق مع يوميات حياة اليوم.

اليوم الجميع يركض خلف أهداف كثيرة، بينما الهدف الأساسي قابع ومنسي في عمق الوحدة: الهدف الأول الجدير بأن تركض إليه هو نفسك!

اليوم نحن في عمق الوهم وعمق الاعتقادات المغلوطة، نعيش حضور الوهم في أوسع تجلياته وأكثرها نجاحاً وسطوة، وأكبر الأوهام هو اعتقادنا أننا أكثر تواصلاً مع العالم، بينما لا أحد يرفع سماعة الهاتف ليقول لك مرحباً، لتستمتع ببهجة الـ«التحية».

أحد أكبر أوهام المثقف مثلاً اعتقاده أن الناس لا يشترون الكتب اليوم ولا يقرؤون، لأن الكتب غالية، هذا واحد من أكبر أوهامنا، والحقيقة أن الناس لا تقرأ بمعزل كامل عن ندرة أو غلاء الكتب، لم يعد الناس يقرؤون لأنهم مشغولون بأمور أخرى، منها على سبيل المثال: السقوط في الملل، والانشغال بالهواتف ومواقع التواصل، ومتابعة آخر منتجات المطاعم وبيوت الأزياء!

أحد أكبر أوهامنا أننا نراكم أجندات جميلة لأحلام ومشاريع بانتظار الانتهاء من الوظيفة، وعندما يكبر الأولاد، ويتخرجون ويصير الزوج متسقاً مع تطلعات زوجته أو قريباً من حافة الفهم، فهم مطالبها الرومانسية!

نقول لأنفسنا: غداً سينتهي كل هذا الانشغال وسنتفرغ لتلك الأحلام المؤجلة، ثم يمر العمر، نكبر، يمرض الزوج، يفقد الرغبة في السفر مع زوجته، تفقد الزوجة أيضاً اهتمامها بالسفر للأماكن الرومانسية وبمباهج أخرى، تفضل التلفزيون وفحوصات المستشفى، خسارة أين ذهبت الأحلام المؤجلة؟ إن أحد أكبر أوهامنا تصديقنا بإمكانية تأجيل الأحلام وادخار الوقت كادخار الأموال!

Email