الكيل بمكيالين!

ت + ت - الحجم الطبيعي

سؤال وجيه «من وجهة نظري» أو ملاحظة ربما، جاءت من أحد القراء حول ازدواجية المعايير، التي ننظر أو نتعامل بها أو تصدر منا في المواقف المختلفة، يقول هذا القارئ إننا لا نتخلى عن ازدواجيتنا أبداً، بل إن البعض كلما ازدادوا علماً وثقافة، وتغيرت أشكال ومستويات حياتهم وعلاقاتهم، وجدناهم أكثر ميلاً للنظر والتعامل مع الأمور والبشر بمقاييس متناقضة، أو كما يقال: يكيلون نفس البضاعة بمكيالين مختلفين «لأن الزبون مختلف بطبيعة الحال» !

والحقيقة أن سياسة الكيل بمكيالين ليست سلوكاً جديداً أو مفاجئاً، ولا يقتصر على فئة من الناس أو شريحة عمرية أو اجتماعية، إنها سياسة تبدأ من عقر البيت أحياناً حين تعامل الأم أو الأب الابن الذكر بتفضيل أعلى من الابنة الأنثى، فقط لأنه «ولد»، فيسمح له بتجاوزات لا حصر لها، ويمنح صلاحيات أكثر مما ينبغي، وأحياناً يحق له أن يتجاوز حدوده مع أخته الأنثى فقط لأنه «ولد»، برغم عدم امتلاكه لأية امتيازات عبقرية أخرى، تؤهله لذلك سوى هذه التي لا يد له فيها، وبرغم أن شقيقاته قد يكن أفضل منه بكثير.. من هنا تبدأ المعضلة التي ستتمدد لاحقاً لتصل إلى عنان السماء !

بلا شك، هناك استثناءات في كل شيء، لكن السياسة تكيل بمكيالين، والأدب والصحافة، وعالم الثقافة، والسينما، ودهاليز المؤسسات وعوالم التوظيف والوظيفة والعمل والدراسة والتقييمات الشهرية والدورية والسنوية، وتطبيق العقوبات، والإعفاء منها، و..

أصوات كثيرة اليوم في القارة الأوروبية، من كبار السياسيين والبرلمانيين وغيرهم يصرحون محتجين ومعارضين ومستائين جداً، بسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وهي حرب جائرة إنسانياً وبشعة بكل مآلاتها «بعيداً عن تفكيكها سياسياً وعسكرياً» وليت اعتراضهم توقف عند ذلك، لكن الكيل بمكيالين لا بد أن يفرض سطوته ! كيف ؟ إنهم يرونها جائرة لأن الضحايا الذين يقتلون أوروبيون.. وهذا لا يجوز ! نعم، أوروبيون في أوروبا، كما قال بعضهم، وليسوا في الشرق الأوسط أو في أفغانستان والعراق ! بينما الحق هو أن الحرب بشعة ومرفوضة على الجميع.

الكيل بمكيالين واحد من أبشع خطايا العقل البشري، الذي يدّعي التحضر والتطور !

Email