البيت 2

ت + ت - الحجم الطبيعي

قديماً مر شاعر بديار كانت تسكنها حبيبته ليلى، فأنشد شعراً ظل يقرأ حتى يومنا هذا:

فبماذا تغنى قيس بن الملوح يومها؟ بالديار التي سكنتها محبوبته فصارت مرادفة لها يقول قيس:

أمر على الديار ديار ليلى

أُقبل ذا الجِدار وذا الجِدارا

وَما حب الدِيارِ شغفنَ قلبي

وَلكن حب من سكن الديارا

الحب في حد ذاته سكن للمحب، وأما الحبيب فقد يتجاوز منزلة السكن إلى ما هو أكثر، لكن لنتأمل حالة شخص يصل في تعلقه بالمكان أن يحب ويزوره ويتوقف عنده ويقبل جدران البيت لا حباً في البيت، ولكن حباً فيمن سكنت البيت، هل هو الوفاء أم التماهي بين من نحبه وبين كل ما له علاقة به، بحيث نستحضر من نحب بمجرد حضور المكان، بل ونتعامل معه وكأنه جزء من المحبوب؟

من أسماء البيت: المنزل، السكن، المأوى، المَبْنَى، المَثْوَى، المَسْكَن، المَقرّ، المَقَام، المُسْتَقَر.. وأسماء أخرى عديدة، وظني أنه كلما ازدادت وتعددت الأسماء والمرادفات كان ذلك دليلاً على أهمية المسمى أو المعنى المقصود، وتعدد واتساع استخداماته في الحياة، فكل لفظ يشير أو يدل على استعمال مختلف، إن تعدد المرادفات التي تعني البيت تدل على أن له استخدامات ومعاني وإحالات كثيرة: فإذا بتنا فيه صار بيتاً، وإذا سكناه صار مسكناً، وإذا نزلنا فيه كان منزلاً، وإذا أمنا فيه وملنا إليه وأحببناه صار مستقراً ومثوى، وهكذا.

لذلك فليس هناك ما هو أكثر أهمية للإنسان بعد الطعام والشراب واللباس من البيت، وهنا يمكن أن يكون الوطن بيتاً، والصديق، والعائلة، والأم، ونزار قباني نظر ليد حبيبته فاعتبر كفها وطناً، وعينيها وظلال رموشها.

في البيت نولد، ننشأ ونترعرع، ونتعرف على أبجديات الحياة وأهمية العائلة ومعنى النجاح والمشاركة والإنجازات وتكوين الذكريات، وتأسيس حمولة الحنين التي سنحملها طيلة حياتنا لذلك يقول الشاعر:

كم منزل في الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبداً لأول منزل

Email