صورة جدتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما زلت أحتفظ بغلاف أول كتاب اقتنيته في طفولتي، والحق أنني كلما نظرت إليه عدت لتلك اللحظة الفاصلة التي سيطرت علي فيها رغبة شديدة في الحصول على الكتاب، مستعيدة بدايات قراءاتي للقصص بشكل يومي أمام والدتي بعد عودتي من المدرسة، وتحديداً قصص وحكايات المكتبة الخضراء التي تربى على قصصها ولغتها وعوالمها معظم أطفال الوطن العربي سنوات السبعينيات، متذكرة الخطوة الأولى لاقتناء كتابي الخاص خارج مكتبة الفصل.

قطعاً لم أكن أعرف يومها ما هي جائزة نوبل ولا معنى الفيزياء أو الكيمياء وبطبيعة الحال لم أستطع نطق كلمة الراديوم جيداً إلا بعد سنوات طويلة، لكنني كنت على يقين بأنني صرت أمتلك كتاباً، سعيت بنفسي لشرائه، وسأظل أتذكر صورة صاحبته التي على الغلاف، والتي سأعرف لاحقاً بأنها الصورة الوحيدة لها ربما قبل أن يصدر مشروع كلمة للترجمة كتاباً ضخماً عنها حمل عنوان (هوس العبقرية) وفيه صور مختلفة لمدام كوري.

بعد زمن طويل، دخلت إلى أحد منتجعات مدينة ياخيموف التشيكية، كان ذلك في العام 2012 وكانت صورة تلك المرأة التي على غلاف طفولتي هي أول ما استقبلني في مدخل الفندق، لم أتذكر اسمها لكنني لم أنسها، فالذاكرة قد ملأتها الأيام بأسماء لا حصر لها.

عرفت من موظفة الإستقبال أنها صورة (مدام كوري) التي قضت فترة من حياتها في ذلك المكان عندما كانت تقوم بتجاربها على عنصر الراديوم المشع، والذي تحول لاحقاً إلى منتجع للإستشفاء بالمياه التي تحوي ذلك العنصر الذي ينقل إليه عبر أنابيب خاصة، ومعه تنتقل آمال كثيرين بالشفاء والصحة.

لقد بقيت ذكرى شراء الكتاب، وصورة جدتي التي لم تتردد في اصطحابي لشرائه بكل أريحية ومحبة. تلك كانت من أكثر الصور التي حفرت عميقاً في مسيرة حياتي حتى هذه اللحظة التي أكتب لكم ما تقرؤونه الآن. صورة جدتي الشابة القوية التي لا تستسلم بسهولة وقادرة على مجادلة بائع كتب، والذي سأكون مثله في مرحلة من عمري!

Email